التمجيد، وهو النسبة إلى المجد والكرم، وذكر الآلاء وهي هنا النعماء مطلقا على جميع الخلق عند (الرحمن الرحيم) الدالين على إفاضة النعم الدقيقة والجليلة على القوابل في الدنيا والآخرة، إذ كل من ينسب إليه الرحمة فهو مستفيض من لطفه وإنعامه، ومرجع الكل إلى ساحل جوده وإكرامه، وعند ذلك ينبعث الرجاء، وهو أحد المقامين العليين.
واستحضار الاختصاص لله تعالى بالخلق والملك عند (مالك يوم الدين) فإنه وإن كان مالكا لغيره من الأيام وغيرها، إلا أنه ربما يظهر على الجاهل مشاركة غيره بواسطة تغلب ظاهري بخلاف ذلك اليوم، فإنه المنفرد فيه بنفوذ الامر، وحقيقة الملك بغير منازع، لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار.
مع إحضار البعث والجزاء والحساب، وملك الآخرة الواقعة في ذلك اليوم، فينبعث لذلك الخوف، وهو المقام الثاني ويثبت في القلب لطروه وعدم المعارض له، فيغلب على الرجاء، وهي الحالة اللائقة بالسالكين عند المحققين وفي هذا الترتيب العجيب إشارة إلى برهانه، وليعلم أن هذه الأوصاف الثلاثة جامعة لمراتب الوجود من ابتدائه إلى انتهائه، متصلا باليوم الاخر الذي هو الغاية الدائمة.
فالأول إشارة إلى وصف الابداع والايجاد، وهو أول النعم المستحقة للحمد والوصفان الوسطان إشارة إلى حالة دوامه وما يشتمل عليه من النعم في حالة بقائه، والثالث إشارة إلى آخر حالاته ونهاية أمره التي لا آخر لها، وحقيق لمن جرت عليه هذه الأوصاف - من كونه موجدا منعما بالنعم كلها ظاهرها وباطنها، وعاجلها وآجلها، على جميع العالمين، مالكا لأمورهم يوم الدين، من ثواب وعقاب - أن يكون مختصا بالحمد، لا أحد يشاركه فيه على الحقيقة.
وإذا أحطت بذلك وفزت بفضيلتي الرجاء والخوف، فترق منه إلى استحضار الاخلاص والرغبة إلى الله وحده عند (إياك نعبد) حيث قد خصصته تعالى بالعبادة التي هي أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومن ثم لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى وارتقيت من مقام البعد عن مقاربة جنابه إلى مقام الفوز بلذيذ خطابه، والاستزادة من