ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، مالهم قاتلهم الله؟! قديري الحول القلب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين (1).
والحريجة التقوى، وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام: وذلك لجهل الفريقين بثمرة الغدر، وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس، فإنه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به، وكان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة واستخراجها بالآراء، إلا أن تفطن الغادر بالحيلة التي هو غير موافقة للقوانين الشرعية والمصالح الدينية، والكيس هو التفطن بالحيلة الموافقة لهما، ولدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدره بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم، ولم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور، وأنه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة بخلاف حيلة الكيس ومصلحته، فإنها تجر إلى العدل انتهى.
وقد صرح عليه السلام بذلك في مواضع يطول ذكرها وكونه عليه السلام أعرف بتلك الأمور وأقدر عليها ظاهر، لان مدار المكر على استعمال الفكر في درك الحيل، ومعرفة طرق المكروهات، وكيفية إيصالها إلى الغير على وجه لا يشعر به، وهو عليه السلام لسعة علمه كان أعرف الناس بجميع الأمور، والمراد بكونهما في النار كون المتصف بهما فيها والاسناد على المجاز.
12 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يجيئ كل غادر يوم القيامة بامام مايل شدقه حتى يدخل النار، ويجئ كل ناكث بيعة إمام أجذم حتى يدخل النار (2).
.