مع أنه قد روى الثعلبي وغيره أن ملك مصر كان ريان بن الوليد، والعزيز الذي اشترى يوسف (عليه السلام) كان وزيره وكان اسمه قطفير، فلما عبر يوسف رؤيا الملك عزل قطفير عما كان عليه، وفوض إلى يوسف أمر مصر وألبسه التاج وأجلسه على سرير الملك، وأعطاه خاتمه، وهلك قطفير في تلك الليالي فزوج الملك يوسف زليخا امرأة قطفير، وكان اسمها راعيل، فولدت له ابنين افرائيم وميشا، فلما دخلت السنة الأولى من سني الجدب هلك فيها كل شئ أعدوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شئ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب، حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عند ولا أمة في يد أحد وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له، ثم استأذن الملك وأعتقهم كلهم ورد أموالهم إليهم، فظهر أن الله ملكه جميع أهل مصر وأموالهم عوضا من مملوكيته صلوات الله عليه لهم، فهذه ثمرة الصبر والطاعة والمراد بارساله إرساله إلى الخلق بالنبوة وبرحم الأمة به نجاتهم عن العقوبة الأبدية بايمانهم به، أو عن القحط والجوع أو الأعم " وكذلك الصبر يعقب خيرا " يعقب على بناء الافعال، قال الراغب: أعقبه كذا أورثه ذلك قال تعالى " فأعقبهم نفاقا في قلوبهم " (1) وفلان لم يعقب أي لم يترك ولدا انتهى أي كما أن صبر يوسف (عليه السلام) أعقب خيرا عظيما له كذلك صبر كل أحد يعقب خيرا له ومن ثم قيل اصبر تظفر، وقيل:
إني رأيت للأيام تجربة (2) * للصبر عاقبة محمودة الأثر وقل من جد في أمر يطالبه * فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر