نعم الله، ولهم مدخلية قليلة في ذلك، ولا يسلب عليتهم رأسا فينتهي إلى الجبر وأخبار الترك محمولة على أنه لا يجوز شكرهم بقصد أنهم مستقلون في إيصال النعمة، فان هذا في معنى الشرك كما عرفت أن النعم كلها أصولها ووجود المنعم المجازي وآلات العطاء وتوفيق الاعطاء كلها من الله تعالى وهذا أحد معاني الامر بين الامرين كما عرفت، وإليه يرجع ما قيل:
إن الغير يتحمل المشقة بحمل رزق الله إليك، فالنهي عن الحمد لغير الله، على أصل الرزق لان الرازق هو الله، والترغيب في الحمد له على تكلف من حمل الرزق وكلفة إيصاله بإذن الله ليعطيه أجر مشقة الحمل والإيصال، وبالجملة هناك شكر ان شكر للرزق وهو لله، وشكر للحمل وهو للغير، وأيد بما روي لا تحمدن أحدا على رزق الله، وقيل: النهي مختص بالخواص من أهل اليقين الذين شاهدوه رازقا وشغلوا عن رؤية الوسائط، فنهاهم عن الاقبال عليها، لأنه تعالى يتولى جزاء الوسائط عنهم بنفسه، والامر بالشكر مختص بغيرهم ممن لاحظ الأسباب والوسائط كأكثر الناس، لان فيه قضاء حق السبب أيضا والوجه الثاني الذي ذكرنا كأنه أظهر الوجوه، لان الله تعالى مع أنه مولى النعم على الحقيقة، وإليه يرجع كل الطاعات، ونفعها يصل إلى العباد، يشكرهم على أعمالهم قولا وفعلا في الدنيا والآخرة، فكيف لا يحسن شكر العباد بعضهم بعضا لمدخليتهم في ذلك ويمكن أن يكون قوله تعالى: " لم تشكرني إذ لم تشكره " إشارة إلى ذلك أي إذا لم تشكر المنعم الظاهري بتوهم أنه لم يكن له مدخل في النعمة، فكيف تنسب شكري إلى نفسك، لان نسبة الفعلين إلى الفاعلين واحدة فأنت أيضا لم تشكرني فلم نسبت الشكر إلى نفسك، ونفيت الفعل عن غيرك، وهذا معنى لطيف لم أر من تفطن به، وإن كان بعيدا في الجملة، والوجه الأول أيضا وجه ظاهر، وكأن آخر الخبر يؤيده، وإن احتمل وجوها كما لا يخفى 26 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن حسن بن جهم