أخرى، فتكون النفوس المنسبة إلى روح زحل متجانسة متشاركة، ويحصل بينها مودة ومحبة (1)، وتكون النفوس المنتسبة إلى روح زحل مخالفة بالطبع والماهية للنفوس المنتسبة إلى روح المشترى، وإذا عرفت هذا فنقول: قالوا: إن العلة تكون أقوى من المعلول، فلكل طائفة من النفوس البشرية طبيعة خاصة وهي تكون معلولة لروح من تلك الأرواح الفلكية، وتلك الطبيعة تكون في الروح الفلكي أقوى وأعلى بكثير منها في هذه الأرواح البشرية، وتلك الروح (2) الفلكية بالنسبة إلى تلك الطائفة من الأرواح البشرية كالأب المشفق والسلطان الرحيم، فلهذا السبب تلك الأرواح الفلكية تعين أولادها على صلاحها (3) وتهديها تارة في النوم على سبيل الرؤيا والأخرى (4) في اليقظة على سبيل الالهام.
ثم إذا اتفق لبعض هذه النفوس البشرية قوة قوية من جنس تلك الخاصية وقوي اتصاله بالروح الفلكي. الذي هو أصله ومعدنه ظهرت عليه أفعال عجيبة وأعمال خارقة للعادات، فهذا تفصيل مذاهب من يثبت الجن والشياطين، ويزعم أنها موجودات ليست أجساما ولا جسما.
واعلم أن قوما من الفلاسفة طعنوا في هذا المذهب وزعموا أن المجرد يمتنع عليه إدراك الجزئيات، والمجردات يمتنع كونها فاعلة للأفعال الجزئية.
واعلم أن هذا باطل لوجهين: الأول أنه يمكننا أن نحكم على هذا الشخص المعين بأنه انسان وليس بفرس، والقاضي على الشيئين لابد وأن يحضره المقضي عليهما، فههنا شئ واحد هو مدرك للكلي وهو النفس، فيلزم أن يكون المدرك للجزئي هو النفس.