به، وأجاب الخصم عنه بأنه لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله تعالى بطلانه وأظهر إنكاره وأيضا أي فائدة في ذكر هذا الكلام الباطل والقول الفاسد؟ ألا ترى أن قوله: " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم " كلام حق؟ وقوله: " وما كان لي عليكم من سلطان " قول حق؟ بدليل قوله: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ".
الثانية: هذه الآية تدل على أن الشيطان الأصلي هو النفس، وذلك لأن الشيطان بين أنه ما أتى إلا بالوسوسة، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة والغضب والوهم والخيال لم يكن لوسوسة تأثير البتة، فدل هذا على أن الشيطان الأصلي هو النفس.
فان قال قائل: بينوا لنا حقيقة الوسوسة.
قلنا: الفعل إنما يصدر عن الانسان لحصول (1) أمور أربعة يترتب بعضها على البعض ترتيبا لازما طبيعيا.
بيانه: أن أعضاء الانسان بحكم السلامة الأصلية والصلاحية الطبيعية صالحة للفعل والترك والاقدام والاجحام، فلما لم يحصل في القلب ميل إلى ترجيح الفعل على الترك أو بالعكس فإنه يمتنع صدور الفعل، وذلك الميل هو الإرادة الجازمة والقصد الجازم، ثم إن تلك الإرادة الجازمة لا تحصل إلا عند حصول علم واعتقاد (2) أو ظن بأن ذلك الفعل سبب للنفع أو سبب للضرر، فإن لم يحصل فيه الاعتقاد لم يحصل ميل، لا إلى الفعل ولا إلى الترك.
فالحاصل: أن الانسان إذا أحس بشئ ترتب عليه شعور بكونه ملائما له أو بكونه منافرا له، أو بكونه غير ملائم ولا منافر، فان حصل الشعور بكونه ملائما له ترتب عليه الميل الجازم إلى الفعل، وإن حصل الشعور بكونه منافرا له ترتب عليه الميل الجازم إلى الترك، وإن لم يحصل لا هذا ولا ذاك لم يحصل ميل لا إلى الشئ