وثانيها: أن قوله " لآتينهم من بين أيديهم " المراد منه الشبهات المبنية على التشبيه، إما في الذات والصفات مثل شبه المجسمة، وإما في الأفعال مثل شبه المعتزلة في التعديل والتخويف والتحسين والتقبيح " ومن خلفهم " المراد منه الشبهات الناشئة من التعطيل.
أما الأول: فلان الانسان يشاهد هذه الجسمانيات وأحوالها وهي حاضرة بين يديه فيعتقد أن الغائب يجب أن يكون مساويا لهذا الشاهد، وهذا يوجب أن يكون " من خلفهم " كناية عن التعليل لأنه خلافه، وأما قوله: " عن أيمانهم " فالمراد به الترغيب في ترك المأمورات " وعن شمائلهم " الترغيب في ترك المنهيات (1).
وثالثها: نقل عن شقيق أنه قال: ما من صباح إلا ويأتيني الشيطان من الجهات الأربع: من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي:
أما بين يدي فيقول: لا تخف فان الله غفور رحيم، فأقرأ: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا (2) " وأما من خلفي فيخوفني من وقوع أولادي في الفقر فأقرأ " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها (3) " وأما قبل يميني فيأتني من قبل النساء (4) فأقرأ " والعاقبة للمتقين (5) " وأما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ " وحيل بينهم وبين ما يشتهون (6) " ثم قال: فالغرض منه أنه يبالغ في إلقاء الوسوسة ولا يقصر في وجه من الوجوه الممكنة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الاسلام فقال له:
تدع دين آبائك: فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له: تدع ديارك وتتغرب؟
فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له: تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح