والنفرة عن الآخرة، ولا يزال تتزايد هذه الأحوال إلى أن يتغير القلب بالكلية فلا يخطر بباله ذكر الآخرة البتة، ولا يزول عن خاطره حب الدنيا البتة فتكون حركته وسكونه وقوله (1) لأجل الدنيا، وذلك يوجب تغير الخلقة (2)، لأن الأرواح البشرية إنما دخلت هذا العالم الجسماني على سبيل السفر وهي متوجهة إلى عالم القيامة.
فإذا نسيت معادها وألفت هذه المحسوسات التي لا بد من انقضائها وفنائها كان هذا بالحقيقة تغير الخلقة (3)، وهو كما قال تعالى: " ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم " وقال: " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " (4).
وقال في قوله تعالى: " إنما يريد الشيطان " الخ أما وجه العداوة في الخمر فان الظاهر فيمن يشربها أنه يشربها مع جماعة ويكون غرضه من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه ويفرح بمحادثتهم ومكالمتهم، وكان غرضه من ذلك الاجتماع تأكيد الألفة والمحبة إلا أن ذلك ينقلب في الأغلب إلى الضد، لأن الخمر تزيل العقل وإذا زال العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة بين أولئك الأحباب، وتلك المنازعة ربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش وذلك يوجب أشد (5) العداوة والبغضاء (6).
وأما الميسر ففيه بإزاء التوسعة على المحتاجين الاجحاف بأرباب الأموال، لأن.
من صار مغلوبا في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه على رجاء أنه ربما صار غالبا