وقال الرازي: اعلم أن أصحابنا قد احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يريد خلق الكفر في الكافر ويضله عن الدين ويغويه عن الحق من وجوه: الأول: أن إبليس استمهل وطلب البقاء إلى يوم القيامة مع أنه صرح بأنه إنما يطلب هذا (1) لاغواء بني آدم وإضلالهم، وأنه تعالى أمهله وأجابه إلى هذا المطلوب، ولو كان تعالى يراعي صلاح المكلفين في (2) الدنيا لما أمهله هذا الزمان الطويل ولما أمكنه من الاغواء والاضلال والوسوسة.
والثاني: أن أكابر الأنبياء والأولياء مجدون مجتهدون في إرشاد الخلق إلى الدين الحق وإن إبليس ورهطه وشيعته مجدون مجتهدون في الاغواء فلو كان مراد الله هو الارشاد والهداية لكان من الواجب إبقاء المرشدين والمحقين، وإهلاك المضلين والمغوين وحيث فعل بالضد علمنا أنه أراد بهم الخذلان والكفر.
ثم قال: أما الاشكال الأول فللمعتزلة فيه طريقان:
الأول وهو طريقة الجبائي أنه تعالى إنما أمهل إبليس تلك المدة الطويلة لأنه تعالى علم أنه لا تتفاوت أحوال الناس بسبب وسوسته في الكفر والمعصية البتة، وعلم أن كل من كفر وعصى عند وسوسته فإنه بتقدير (3) أن لا يوجد إبليس ولا وسوسته فان ذلك الكافر والعاصي كان يأتي بذلك الكفر والمعصية، فلما كان الأمر كذلك لا جرم أمهله هذه المدة الطويلة.
الثاني وهو طريقة أبي هاشم أنه لا يبعد أن يقال: إنه تعالى علم أن أقواما يقعون بسبب وسوسته في الكفر والمعاصي إلا أن وسوسته ما كانت موجبة لذلك الكفر وتلك المعاصي، غاية (4) ما في هذا البأب أن يقال: الاحتراز عن القبائح حال عدم