الشرور وعالم الأجساد ومنازل الظلمات فهم الشياطين.
إذا عرفت هذا فنقول: فعلى هذا التقدير الشيطان لا يكون جسما يحتاج إلى الولوج في داخل البدن، بل هو جوهر روحاني خبيث الفعل مجبول على الشر، والنفس الانسانية أيضا كذلك، فلا يبعد على هذا التقدير أن يلقي شئ من تلك الأرواح أنواعا من الوساوس والأباطيل إلى جوهر النفس الانسانية.
وذكر بعض العلماء في هذا الباب احتمالا ثانيا وهو أن النفس الناطقة البشرية مختلفة بالنوع، فهي طوائف وكل طائفة منها في تدبير روح من الأرواح السماوية بعينها، فنوع من النفوس البشرية تكون حسنة الأخلاق كريمة الأفعال موصوفة بالفرح والسرور وسهولة الأمر، وهي تكون منتسبة إلى روح معين من الأرواح السماوية وطائفة أخرى منها تكون موصوفة بالحدة والقسوة والغلظة وعدم المبالاة بأمر من الأمور وهي تكون منتسبة إلى روح أخرى من الأرواح السماوية، وهذه الأرواح البشرية كالعون (1) لتلك الروح السماوي وكالنتائج الحاصلة وكالفروع المتفرعة عليها، وتلك الروح السماوية هي التي تتولى إرشادها إلى مصالحها، وهي التي تخصها (2) بالالهامات في حالتي النوم واليقظة، والقدماء كانوا يسمون تلك السماوي بالطباع التام ولا شك أن لتلك الروح السماوية (3) التي هي الأصل والينبوع شعب كثيرة ونتايج كثيرة وهي بأسرها تكون من جنس روح هذا الانسان وهي لأجل مشاكلتها ومجانستها يعين بعضها بعضا على الاعمال اللائقة بها والأفعال المناسبة لطبائعها.
ثم إنها إن كانت خيرة طاهرة طيبة كانت ملائكة وكانت تلك الإعانة مسماة بالالهام، وإن كانت شريرة خبيثة قبيحة الاعمال كانت شياطين، وكانت تلك الإعانة مسماة بالوسوسة، وذكر بعض العلماء أيضا فيه احتمالا ثالثا وهو أن النفوس البشرية