الناس وقتلهم، ويدل عليه وجوه:
أحدها: قوله تعالى حكاية عن الشيطان: " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " وهذا صريح في أنه ليس للشيطان قدرة على الصرع والقتل والايذاء.
والثاني: أن الشيطان إما أن يقال: إنه كثيف الجسم أو يقال: إنه من الأجسام اللطيفة، فإن كان الأول وجب أن يرى ويشاهد، إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفا ويحضر ثم لا يرى لجاز أن يكون بحضرتنا شموس ورعود وبروق وجبال ونحن لا نراها، وذلك جهالة عظيمة، ولأنه لو كان جسما كثيفا فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الانسان، وأما إن كان جسما لطيفا كالهواء فمثل هذا يمتنع أن تكون فيه صلابة وقوة فيمتنع أن يكون قادرا على أن يصرع الانسان ويقتله.
الثالث: لو كان الشيطان يقدر على أن يصرع الانسان فيقتله لصح أن يفعل مثل معجزات الأنبياء وذلك يجر الطعن في النبوة.
الرابع: أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين ولا يخبطهم (1) من شدة عداوته مع أهل الايمان؟ ولم لا يغصب أموالهم ويفسد أحوالهم ويفشي أسرارهم ويزيل عقولهم؟ وكل ذلك ظاهر الفساد.
واحتج القائلون بأن الشيطان يقدر على هذه الأشياء بوجهين:
الأول: ما روي أن الشياطين في زمان سليمان عليه السلام كانوا يعملون الأعمال الشاقة على ما حكى الله عنهم: إنهم كانوا " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات " والجواب عنه أنه تعالى كثف (2) أجسامهم في زمان سليمان عليه السلام.
والثاني: أن هذه الآية وهي قوله تعالى: " يتخبطه الشيطان من المس " صريح في أن تخبطه كان من الشيطان ومسه مسببا (3) عنه.