عنه " ومن خلفهم " من حيث لا يعلمون ولا يقدرون " وعن أيمانهم وعن شمائلهم " من حيث يتيسر لهم أن يعلموا أو يتحرزوا، ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم و احتياطهم، وإنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم وإلى الآخرين بحرف المجاوزة لأن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم، ونظيره قولهم: جلست عن يمينه " ولا تجد أكثرهم شاكرين " مطيعين، وإنما قاله ظنا لقوله: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " لما رأى مبدأ الشر فيهم متعددا ومبدأ الخير واحدا، وقيل: سمعه من الملائكة " مذؤوما " أي مذموما " مدحورا " مطرودا (1).
وقال الرازي بعد ذكر بعض هذه الوجوه: أما حكماء الاسلام فقد ذكروا فيها وجوها أخرى:
أولها: وهو الأشرف الأقوى أن في البدن قوى أربعا هي الموجبة لفوات السعادات الروحانية:
فإحداها القوة الخيالية التي تجمع فيها صور المحسوسات ومثلها، وهي موضوعة في البطن المقدم من الدماغ، وصور المحسوسات إنما ترد عليها من مقدمها، وإليه الإشارة بقوله: " من بين أيديهم " والقوة الثانية القوة الوهمية التي تحكم في غير المحسوسات بالأحكام المناسبة للمحسوسات، وهي موضوعة في البطن المؤخر من الدماغ وإليه الإشارة بقوله: " ومن خلفهم " والقوة الثالثة الشهوة، وهي موضوعة في الكبد وهي يمين (2) البدن، والقوة الرابعة الغضب، وهي موضوعة في البطن الأيسر من القلب فهذه القوى الأربع هي التي تتولد منها أحوال توجب زوال السعادة الروحانية، والشياطين الخارجية ما لم تستعن بشئ من هذه القوى الأربع لم يقدر على إلقاء الوسوسة، فهذا هو السبب في تعيين الجهات الأربع وهو وجه حقيقي شريف.