وروي عن أبي جعفر عليه السلام أيضا أنه قال: إن الشياطين يلقى بعضهم بعضا فيلقي إليه ما يغوي به الخلق حتى يتعلم بعضهم من بعض " يوحي " أي يوسوس ويلقي خفية " زخرف القول " أي المموه المزين الذي يستحسن ظاهره ولا حقيقة له ولا أصل " غرورا " أي يغرونهم بذلك غرورا أو ليغروهم بذلك (1).
وقال الرازي: اعلم أنه لا يجب أن يكون كل معصية تصدر عن انسان فإنها تكون بسبب وسوسة شيطان، وإلا لزم التسلسل أو الدور (2)، فوجب الاعتراف بانتهاء هذه القبائح والمعاصي إلى قبيح أول ومعصية سابقة حصلت لا بوسوسة شيطان آخر، إذا ثبت هذا فنقول: إن أولئك الشياطين كما أنهم يلقون الوساوس إلى الإنس والجن فقد يوسوس بعضهم بعضا، وللناس فيه مذاهب: منهم من قال: الأرواح إما فلكية وإما أرضية، والأرواح الأرضية منها طيبة طاهرة (3)، ومنها خبيثة قذرة شريرة تأمر بالمعاصي والقبائح وهم الشياطين.
ثم إن تلك الأرواح الطيبة كما أنها تأمر الناس بالطاعات والخيرات فكذلك قد يأمر بعضهم بعضا بالطاعات، والأرواح الخبيثة كما أنها تأمر الناس بالقبائح والمنكرات فكذلك قد يأمر بعضهم بعضا بتك القبائح والزيادة فيها، وما لم يحصل نوع من أنواع المناسبة بين النفوس البشرية وبين تلك الأرواح لم يحصل ذلك الانضمام بالنفوس البشرية وإذا كانت طاهرة نقية عن الصفات الذميمة كانت في جنس الأرواح الخبيثة فتنتظم (4) إليها.