والجواب عنه: أن الشيطان يمسه بالوسوسة المؤذية التي يحدث عندها الصرع وهو كقول أيوب " إني مسني الشيطان بنصب وعذاب " وإنما يحدث الصرع عند تلك الوسوسة، فلا جرم فيصرع عند تلك الوسوسة (1) كما يفزع الجبان من الموضع الخالي وبهذا المعنى (2) لا يوجد هذا الخبط من الفضلاء الكاملين وأهل الحزم والعقل، وإنما يوجد فيمن به نقص في المزاج وخلل في الدماغ، وهذا جملة كلام الجبائي في هذا الباب.
وذكر القفال وجها آخر فيه، وهو أن الناس يضيفون الصرع إلى الشيطان وإلى الجن فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا.
وأيضا من عادة الناس أنهم إذا أرادوا تقبيح شئ يضيفوه إلى الشيطان كما في قوله تعالى: " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وقال الطبرسي قدس سره: قيل: إن هذا على وجه التشبيه، لأن الشيطان لا يصرع الانسان على الحقيقة، ولكن من غلب عليه المرة السوداء وضعف (3) ربما يخيل إليه الشيطان أمورا هائلة ويوسوس إليه، فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله تعالى، ونسب ذلك إلى الشيطان مجازا لما كان ذلك عند وسوسته عن الجبائي.
وقيل: يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض عن أبي الهذيل وابن الأخشيد، قالا: لأن الظاهر من القرآن يشهد به وليس في العقل ما يمنع منه ولا يمنع الله سبحانه الشيطان عنه امتحانا لبعض الناس وعقوبة لبعض على ذنب ألم به ولم يتب منه كما يسلط بعض الناس على بعض فيظلمه ويأخذ ماله ولا يمنعه الله منه (4).