أحدها: اختلفوا في ماهياتها، فقال بعض: إنها حروف وأصوات خفية، قالت الفلاسفة (1): إنها تصورات الحروف والأصوات وأشباهها وتخيلاتها على مثال الصور المنطبعة في المرايا فان تلك الصور تشبه تلك الأشياء من بعض الوجوه وإن لم تكن مشابهة لها من كل الوجوه، ولقائل أن يقول: صور هذه الحروف وتخيلاتها هل تشبه هذه الحروف في كونها حروفا أو لا تشبهها؟ فإن كان الأول فتصور (2) الحروف حروف، فعاد القول إلى أن هذه الخواطر أصوات وحروف خفية، وإن كان الثاني لم يكن تصورات هذه الحروف حروفا لكني أجد من نفسي هذه الحروف والأصوات مترتبة منتظمة على حسب انتظامها في الخارج والعربي لا يتكلم في قلبه إلا بالعربية، وكذا الأعجمي (3)، وتصورات هذه الحروف وتعاقبها وتواليها في الخارج (4)، فثبت أنها في أنفسها حروف وأصوات خفية.
وثانيها: أن فاعل هذه الخواطر من هو؟
أما على أصلنا أن خالق (5) الحوادث بأسرها هو الله تعالى فالأمر ظاهر.
وأما على أصل المعتزلة فهم لا يقولون بذلك.
وأيضا فان المتكلم عندهم من فعل الكلام، فلو كان فاعل هذه الخواطر هو الله تعالى وفيها ما يكون كذبا (6) لزم كون الله تعالى موصوفا بذلك تعالى الله عنه.
ولا يمكن أن يقال أن فاعلها هو العبد، لأن العبد قد يكره حصول تلك الخواطر ويحتال في دفعها عن نفسه، مع أنها البتة لا يندفع بل ينجر البعض إلى البعض على سبيل الاتصال، فإذا لا بد ههنا من شئ آخر، وهو إما الملك وإما الشيطان، فلعلهما متكلمان بهذا