تبالي أن تجوع إذا شبع، وتعطش إذا روي، وتعرى إذا كسي، وجعل الله - تعالى ذكره - رزقه في ثدي أمه، في إحديهما طعامه وفي الأخرى شرابه، حتى إذا رضع آتاه الله في كل يوم بما قدر له فيه من الرزق، وإذا أدرك فهمه الأهل والمال والشره والحرص، ثم هو مع ذلك بعرض (1) الآفات والعاهات والبليات من كل وجه، و الملائكة تهديه وترشده، والشياطين تضله وتغويه، فهو هالك إلا أن ينجيه الله تعالى وقد ذكر الله - تعالى ذكره - نسبة الانسان في محكم كتابه فقال عز وجل " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون (2) ".
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: فقلت: يا رسول الله! هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله مليا ثم قال: يا جابر! لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه (3) يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة وأرحاما طاهرة، يحفظها بملائكته، ويربيها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف، و أحوالهم تدق عن أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه على عباده، وأنواره في بلاده، وحججه على خلقه. يا جابر! هذا من مكنون العلم و مخزونه، فاكتمه إلا من أهله (4).
بيان: في القاموس: الوجنة - مثلثة وككلمة ومحركة -: ما ارتفع من الخدين.
والمصرور: الأسير " لأنه مجموع اليدين، من " صررت " جمعت، وقال: صر الناقة:
شد ضرعها. وقال: ناطه نوطا: علقه. والشره - بالتحريك -: غلبة الحرص.