الفكرية التي لا يزال اللاحقوق يقتفون فيها خطوات السابقين، ويحرص الخلف على ربط حلقاتها بالسلف الصالح، إن كل تلك الآثار الخالدة لفي غنى عن مدح المادحين وإطراء المطرين، وهي التي أحلتهم الذروة والسنام بين الفرق والمذاهب الإسلامية، ويطول بنا المقام إذا أردنا أن نستعرض - ولو بإيجاز - الحوادث والهنابث التي لقيها شيعة أهل البيت من أعداء أهل البيت، والحرائق والبوائق التي منيت بها مكتبات الشيعة في مختلف العصور والقرون، فقد لعبت بهم أيدي الحدثان، وعبثت بآثارهم ومآثرهم الأهواء والأغراض، أملا في قبر سنة الرسول صلى الله عليه وآله التي تمثلت في أهل بيته، وفي شيعتهم من بعدهم، وبغية القضاء على علومهم ومعالمهم ﴿يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون﴾ (1) وبالرغم من كل الكوارث والفواجع وحملات الإبادة نجد شيعة أهل البيت عليهم السلام في كل صقع من أصقاع العالم، وفي كل بقعة من بقاع المعمورة، ونرى آثارهم وعلومهم ملأ السمع والبصر، وما كان لله ينمو.
وحسبنا أن نشير إلى حادثة واحدة مما يخص المؤلفات والمكتبات، وإن كنا قد فصلناها في محلها (2) فإن طغرل بك أول ملوك السلاجقة لما ورد بغداد في سنة 447 وشن حملته المشهورة على الشيعة (3) أمر بإحراق مكتبتهم التي أسسها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي في محلة (بين السورين) في كرخ بغداد سنة 381 ه. وقد كانت من دور العلم المهمة في بغداد بناها هذا الوزير الجليل والأديب الفاضل على مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد كما ذكر في ترجمته (4) وقد جمع فيها هذا الوزير ما تفرق من كتب فارس والعراق، واستكتب تأليف أهل الصين