منهما كما جرى لغيرهما، على أنه ليس الحد في التكليف بالمعارف بلوغ الحلم بل ذلك في الشرعيات وقد كمل الله عقل الطفل حتى برأ يوسف وقال الله في يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا (1)) وقال في عيسى: (وجعلني نبيا (2)).
ولعلهم يقولون: ما ذكرتم في الطفل بمعجزة ليوسف، ويحيى وعيسى معجزة لهما أيضا فإسلام علي صبيا خارقا للعادة لا يجوز أن يكون معجزا له، وإلا لكان نبيا، ولا للنبي لأنه لم يعد في معاجزه، ولا نقله المسلمون في دلائله.
قلنا: بل إسلامه صغيرا كرامة له، ولا يلزم منها نبوة، وأنتم تجوزون الكرامات لمشايخ الطريقة وليس لهم نبوة، بل وربما لا عدالة لهم مع جواز كونه معجزة للنبي، وإن لم يشع ذلك في العوام، إذ ليس كل معاجزه عليه السلام أعلام ولو استشهد على حال صغره بتصديق النبي صلى الله عليه وآله لشهد كما شهد ليوسف الطفل ببراءته، ونطق عيسى ببراءة أمه، ويحيى بتقرير نبوة أبيه، والمعاجز التي هي أعلام تدل على نبوته بظواهرها، فاستغني به عن غيرها، ولما تقررت نبوته أخبر بإسلامه صغيرا فكان معجزا لكنه غير مقرون بالدعوة، ومن الجايز أن يكون الله تعالى أعلم نبيه الكف عن ذكر إسلامه لعلمه بما في ذلك من مصلحة خلقه.
ثم نرجع ونقول: كيف يكون إسلامه علي على وجه التلقين، وقد تمدح به بين أعدائه، وجعله من أعظم فضائله، وذلك كله في معنى الشهادة بصدق نبيه ولم يرد أحد من خصومه ما تمدح به من سبق إسلامه، ولا ذكروا أن ذلك لا فضيلة له فيه، لأنه حال صغره، وقد اشتهر ذلك في شعره عليه السلام:
سبقتكم إلى الاسلام طرا * على ما كان من فهمي وعلمي وكذا وجدناه في العيون والمحاسن للشيخ المفيد رحمه الله وقد قال وصليت الصلاة وكنت طفلا * صغيرا ما بلغت أوان حلمي