فنحن ننتهب جواهر البلاغة من بحار خطباته وملح أشعاره، وننتقب فرائد البراعة من وجيز توقيعاته وكنوز أفكاره، فمن كلامه فهمت جواهر العربية، و يواقيت الحكم الدينية والدنياوية، عليه مسحة من الكلام الإلهي وفيه عبقة من اللفظ السوي.
قال قطب الدين الراوندي: سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول: رأيت بمصر مجموعا من كلام علي في نيف وعشرين مجلدا. وأسند صاحب النخب إلى الكلبي إلى أبي صالح أن الصحابة اجتمعت وقالت: الألف أكثر دخولا في الكلام، فارتجل خطبته المونقة أولها: حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت رحمته غضبه، إلى آخرها لم يوجد فيها ألف، ثم ارتجل أخرى خالية من النقط.
وأما الوعاظ فليس لأحد من الرجال ماله من العبر والأمثال، مثل: من زرع العدوان حصد الخسران، من ذكر المنية نسي الأمنية، من قعد به العقل قام به الجهل، من عدل في سلطانه استغنى عن عدوانه، من طال عدوانه زال سلطانه، من ساءت سيرته سارت منيته، من مال إلى الحق مال إليه الخلق، من ساء اختياره قبحت آثاره، من قل اعتباره قل استظهاره، من جار في سلطانه صغره، ومن من بإحسانه كدره، العدل أقوى جيش، والأمن أهنى عيش، كل دولة يحوطها الدين لا تغلب، وكل نعمة يحرسها الشكر لا تسلب.
وله مائة كلمة مشهورة قد تضوع المحققون بنشرها، واعتنى المدققون بكشف سرها، اشتملت من العلوم على أعذاق جانية، وأقطاف دانية.
وأما الفلاسفة فهو أرجحهم، قال عليه السلام: أنا النقطة أنا الخط، أنا الخط أنا النقطة، أنا النقطة والخط. وقال جماعة: القدرة هي الأصل، والجسم حجابه، و الصورة حجاب الجسم، لأن النقطة هي الأصل والخط حجابه ومقامه، والحجاب غير الجسم الناسوتي.
وقال صاحب النخب: سئل عليه السلام عن العالم العلوي فقال: صور عارية عن المواد. عالية عن القوة والاستعداد، تجلى لها فأشرقت، وطالعها فتلألأت، و