لما خرج إلى النهروان استقبله دهقان، وقال لتعودن عما قصدت إليه لتناحس النجوم والطوالع فسعد أهل النحوس، ونحس أهل السعود، واقترن في السماء كوكبان يقتتلان، وشرف بهران في برج الميزان، وقدحت في برجه النيران وتناشت الحرب حقا بأماكنها، فتبسم الإمام عليه السلام وقال: أنت المحذر من الأقدار أم عندك دقائق الأسرار، فتعرف الأكدار والأدوار، أخبرني عن الأسد في تباعده في المطالع والمراجع، وعن الزهرة في التوابع والجوامع وكم من السواري إلى الدراري، وكم من الساكنات إلى المتحركات، وكم قدر شعاع المدبرات، وكم أنفاس الفجر في الغدوات؟ قال: لا علم لي بذلك.
فقال عليه السلام: هل عندك علم أنه قد انتقل الملك في بارحتنا من بيت إلى بيت بالصين، وانقلب برج ماجين، وهاج نمل الشيخ، وتردى برج الأندلس وطفح جب سرنديب، وفقد ديان اليهود ابن عمه، وعمي راهب عمورية، وجذم بطريق الروم برومية، وتساقطت شرافات من سور قسطنطينية أفأنت عالم بمن أحكم هذه الأشياء من الفلك؟ قال: لا، فقال عليه السلام: هل عندكم علم أنه قد سعد في بارحتنا سبعون ألف عالم منهم في البر؟ ومنهم في البحر، أفأنت عالم بمن أسعدهم من الكواكب؟ قال: لا.
ثم أخبره عليه السلام بأن تحت حافر فرسه اليمنى كنز، وتحت اليسرى عين من الماء، فنبشوا فوجدوا كما ذكر عليه السلام فقال الدهقان: ما رأيت أعلم منك إلا أنك ما أدركت علم الفلسفة، فقال عليه السلام: من صفي مزاجه اعتدلت طبايعه، ومن اعتدلت طبايعه قوي أثر النفس فيه - ومن قوي أثر النفس فيه، سما إلى ما يرتقيه، ومن سما إلى ما يرتقيه تخلق بالأخلاق النفسانية، وأدرك العلوم اللاهوتية، ومن أدرك العلوم اللاهوتية صار موجودا بما هو انسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان، ودخل في باب الملكي الصوري، وما له عن هذه الغاية معبر، فسجد الدهقان وأسلم، وقد وجدت هذا الحديث في كتاب نهج الإيمان ذكره الحسين