ههنا مذاهب كثيرة فقلت: من أكثرها عددا بعد هذه الأربعة المذاهب وأظهرها احتجاجا في الأصول والشريعة؟ فقيل: قوم يعرفون بالشيعة منتسبون إلى نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته خاصه، إلا أن هؤلاء الأربعة المذاهب متفقون أو أكثرهم على بغض أهل هذا المذهب المذكور وعلى عداوتهم في أكثر الأمور.
فقلت: والله إن أهل هذا المذهب المنسوب بنبيهم وأهل بيته أجمل كل حال وأفضل وأوجب من التلزم بأولئك الأربعة أنفس الذين ليسوا كذلك، وأرى أهل هذا المذهب أقرب إلى الاحتياط في دينهم والاستظهار في معرفة نبيهم ومعرفة جاء به، لأن خواص كل نبي لم يزالوا أعرف بدينه وشريعته وأقرب إلى الحق من أكثر أمته.
فتشوقت إلى تعجيل معرفة اعتقاد هذه الفرقة المعروف بالشيعة، ثم أنظر بعد ذلك في اعتقاد كل واحد من الأربعة المذاهب واختار لنفسي ما يكون أقرب إلى الصواب وأسلم لي عند الله في الدنيا ويوم الحساب إن شاء الله تعالى.
ولم يصرفني عن هذا العزم كثرة الأربعة المذاهب وكون هذه الفرقة قليلة، لأني رأيت أن هذه الفرقة الشيعة وإن كانت ما هي أقل من كل واحد من أولئك الأربعة وإن كان كلهم أكثر منها، ولكن ليس الاعتبار بمجرد الكثرة عند ذوي الألباب بل الاعتبار بالحق والصواب، لأنه لو كان الاعتبار بالكثرة ما وجب اتباع الأنبياء ولا ثبت شرائعهم، لأن كل نبي ظهر فإن الناس كانوا وقت ظهوره كلهم أو أكثرهم مجتمعين على مخالفته، ولم يدل ذلك على بطلان نبوته ولما بايعه بعضهم فإن أكثرهم كانوا في أول الأمر مخالفين لهم في ذلك ولم يدل كثرة مخالفيهم على بطلان مذهب القليلين التابعين له.
ولأنني رأيت خيار كل شئ في الدنيا وجيده أقله حتى من كل صامت وناطق ورطب ويابس، وإذا اعتبر العاقل ذلك وجده كما قلت.