أراد أن يكتبه لهم أنهم لا يضلون بعده أبدا، فإن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي، وإن كان هذا بوحي أفما يكون عمر قد نسب الهجر إلى ربه، سوءة له من هذا الهجر (1) القبيح والكفر الصريح وسوءة لمن هان عنده هذا.
ومن طريف هذا الحديث أن عمر لما قدح في عقل نبيهم وشهد عليه أنه يهذي يقول بعد ذلك حسبنا كتاب ربنا، وهذا القول من عمر يدل على أنه عرف أن كلام نبيهم ما كان هذيانا ولا مختلا وأنما ادعى عمر أن كتاب الله يغني عن الكتاب الذي أراد نبيهم أن يكتب لهم، كان عمر في ذلك يزعم أنه أعرف من ربهم ونبيهم في تدبير أمته وحفظ شريعته.
(قال عبد المحمود): وهب أنهم شكوا في حال نبيهم وظنوا أنه طلب الكتابة لهم على سبيل الاختلال، فليتهم أذنوا لنبيهم بالكتاب فإن كتب ما يليق بالصواب عملوا به وإن كتب شيئا مختلا كما ذكر عمر ستروه كما جرت عادة المشفقين مع من يوالونه ويعظمونه، وما كان يجوز أن يتركوا نبيهم يتوفى وهذه الأمنية في نفسه لم يبلغها منهم وهو آخر العهد بهم ووقت الحاجة إلى رضاه عنهم.
ومن طريف ذلك أن عمر يقول مثل هذا الكلام ويسمعه الحاضرون منه وينقلونه إلى المتأخرين عنه، ويشهد لسان الحال والمقال أنه سبب كل ما تجدد في الأمة من الاختلاف والضلال والاختلاط، ومع هذا فلا ينسب عمر إلى أنه يرد على نبيهم ولا أنه أخطأ ولا يذم ولا يعتب، بل يتفق له في تلك الحال بأولى ما يقال من أن القول ما قاله عمر، ويتفق له الآن من يعذره ويتغافل عن عظيم جنايته ويتقرب إلى الله بحبه وولايته، إن هذا من أعظم ما بلغ إليه أهل الجهالة وأطم ما نقل عن ذوي الضلالة.
(قال عبد المحمود): وإذا كان قول خليفتهم عمر في نبيهم وهذا قول جماعة