وكان جبريل بالآيات يؤنسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الأرض مغتصب أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الترب إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن * من البرية لا عجم ولا عرب وسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بتهمال لها سكب (1) (قال عبد المحمود): أنظر رحمك الله وفكر فيما قد رووه عن رجالهم وثقاتهم من هذا التألم العظيم من فاطمة عليها السلام وما تقدم من روايتهم له في صحاحهم من هجرانها لأبي بكر ستة أشهر حتى ماتت، فهل ترى هذا حديث من كان عندها شبهة في أنهم ظلموها عمدا وقصدا؟ وهل ترى هذا الكلام منها كلام من قد قبلت لهم عذرا؟ وهل ترى هذا حديث من لا يعرف صحة دعواها وثبوت حجتها؟ وهل كان يحسن أن يسمع مثل هذا الكلام منها وتمنع مما طلبت، أو العوض عنه، ولو كانت قد وفدت بهذا الكلام والاسترحام على أعظم ملوك الكفار، أما كان تشهد العقول إنه كان يرفع شأنها ويشرف مقامها ويحسن جايزتها، أفيليق بمسلم أن يكون جواب هذا الكلام منعها وسوء معاملتها وتهوين حضورها وخطابها والقساوة عليها وترك التلطف بها على كل حال، ما يقولون لو أن محمدا " ص " أباها رآها وهي تبكي وتقول مثل هذا الكلام، أكان يغضب لغضبها كما رووه في صحاحهم أو كان يرضى عنهم؟ إنما تشهد العقول إنه كان يشق عليه غضبها ويهجرهم بهجرانها ويستعظم إقدامهم على تكذيبهم لها وظلمها وكسرها وإسقاط منزلتها، فاختر لنفسك أيها المشفق على
(٢٦٦)