ولا اعتقد أن أمة بلغت بعد نبيها في الاستخفاف بدينه وأهل بيته إلى ما بلغ هؤلاء القوم، وأنا ما اعتقد نبيا بالغ في الوصية بأهل بيته ومدحهم أعظم مما بالغ فيه محمد " ص " نبيهم.
ومن أطرف الطرائف قصدهم لإحراق علي والعباس بالنار في قوله: فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما وقد كان في البيت فاطمة. وفي رواية أخرى إنه كان معهم في البيت الزبير والحسن والحسين عليهما السلام وجماعة من بني هاشم لأجل تأخرهم عن بيعة أبي بكر وطعنهم فيها، أما ينظر أهل العقول الصحيحة من المسلمين أن محمدا " ص " كان أفضل الخلائق عندهم ونبوته أهم النبوات ومبايعته أوجب المبايعات، ومع هذا فإنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام والأحجار وغيرهم من أصناف الملحدين والكفار، وما سمعناه أنه استحل ولا استجاز ولا رضي أن يأمر بإحراق من تأخر عن نبوته وبيعته، فكيف بلغت العداوة لأهل بيته والحسد لهم والاهمال لوصيته بهم إلى أن يواجهوا ويتهددوا أن يحرقوا بالنار، وقد شهدت العقول أن بيعة كانت على هذه الصفات وأن إكراه الناس عليها بخلاف الشرائع والنبوات والعادات لبيعة محكوم بفساد أهلها ووجوب حلها، فهل ترى يوم السقيفة وما جرى فيه كان من شيم الأبرار أو من مغالبة الجاهلية الأشرار.
ومن عجيب ما رووه من المناقضة لذلك ما رواه أحمد بن حنبل في الجزء الرابع من مسند عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله " ص " فمررنا بقرية نمل فأحرقت فقال النبي: لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله تعالى.
(قال عبد المحمود): وكيف كان أهل بيت النبوة أهون من النمل؟ وكيف ذكروا أنهم يعذبونهم بعذاب الله تعالى من الحريق بالنار؟ والله إن هذه الأمور من أعظم عجائب الدهور.