في هذا وكأنه يرى أن صور ما يجري في الأرض هو في العالم العلوي كالنقوش وكأنه يدور بدوران الآخر فما جاء بعض النفوس انتقش فيها وهذا تحكم لم يقع عليه برهان، وقال أهل السنة: الرؤيا اعتقاد يخلقه الله تعالى في قلب النائم كما يخلقه في قلب اليقظان ويجعله علما على أمر يخلقه في ثاني الحال أو على أمر خلقه فإذا خلق في قلب النائم اعتقاد الطيران وليس بطاير فغايته أنه اعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه وكم من في اليقظة يعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه ويجعل ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يجعل الغيم علما على نزول المطر بفعل الله سبحانه.
وقال القرطبي: قيل: إن لله تعالى ملكا موكلا بعرض الرؤيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورا محسوسة فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة غر محسوسة وفي الحالين تكون مبشرة ومنذرة وقيل الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة، وأورد عليه بأنه لا يصح تفسير الرؤية بالإدراك لأن النوم ضد عام للإدراك كما أن الموت ضد عام له فلا يجامعه، وأجيب بأن الجزء المدرك من النائم لا يحله النوم فلا يجتمع الإدراك مع النوم فالعين نائمة والقلب يقظان كما قال صلى الله عليه وآله: «تنام عيناي ولا ينام قلبي» وقال عياض: اتفق المتكلمون على أن النائم الذي استغرق النوم جميع أجزاء قلبه لا يصح أن يعلم لأن النوم آفة تضاد التمييز، واختلفوا في الاعتقادات والظنون والتخيلات، فقال قوم: إنها لا تصح منه أيضا ولا تصح منه الرؤيا لأن الرؤيا ضرب أمثلة ولا يصح ضربها للنائم ومن لا تمييز له، وقال قوم: لا يمتنع أن يكون ظانا أو متخيلا وإنما يمتنع أن يكون عالما وقد رجح الأول بأن الظنون والاعتقادات والتخيلات جنس واحد مضاد للعلم فكما يضاده النظر في العلم فكذلك يضاده أضداده وأما الرؤيا التي يراها النائم فإنما يراها لأن النوم لم يستغرق الجزء الذي هو محل الإدراك من القلب ولا يلزمهم ما لزم الآخر من أنه لو كان كذلك لكان مكلفا لأنهم لا يقولون أنه مميز حقيقة وإنما يقولون:
أن عنده بقية حياة وبعض تمييز، وقال الآبي: قال بعض المعتزلة: الرؤيا هي رؤيا العينين، وقال بعضهم: هي رؤية بعينين يخلقهما الله تعالى في القلب وسماع بأذنين يخلقهما الله تعالى وقال أكثرهم: هي تخيلات لا حقيقة لها ولا تدل على شيء.
أقول هذا ما بلغني من أقوالهم ولا يبعد أن يقال: إن جميع ما كان وما هو يكون وما كائن في اللوح المحفوظ فإذا تعطلت الحواس بالنوم وفرغت النفس عن الاشتغال بها يعرض عليها ملك الرؤيا ما كان فيه بقدر استعدادها وما كان من هذا القبيل فهي الرؤيا الصادقة ولذلك قد يخبر النائم بما وقع في العالم وبما هو واقع وبما يقع بعد وتلك الرؤيا هي التي تعد جزءا من أجزاء النبوة كما سيأتي وقد تشتغل النفس بالصور والمعاني التي في الحس المشترك والخيال وتركبها على أنحاء