النار.
* الشرح:
قوله (ان الله عز وجل خلق الأرض) لما دلت الروايات المذكورة في أول كتاب الكفر والإيمان على أنه تعالى خلق الإنسان من طينتين طينة الجنة وطينة سجين لم يبعد أن يراد بالأرض هنا قطعة مختلطة من هاتين الطينتين (ثم أرسل عليها الماء المالح أربعين صباحا والماء العذب أربعين صباحا) للخلط بين الطينتين وتخميرهما بالمائين فوائد كثيرة أشرنا إليها في شرح الكتاب المذكور منها حصول القدرة على الضدين ومنها حصول الارتباط بين المؤمن والكافر والصالح والفاجر ولولا ذلك لما أمكن تعيش المؤمنين والصالحين بين الكافرين والفاسقين ومنها كون المؤمن دائما بين الخوف والرجاء حيث لا يعلم أن الغالب فيه الخير أو الشر ومنها رفع العجب عنه بفعل المعصية ولولا ذلك لما صدرت عنه المعصية فربما يدخله العجب، ومنها الرجوع إليه تعالى وطلب حفظه عنها ومنها تولد المؤمن من الكافر وبالعكس وهو دليل على كمال قدرته تعالى كما قال (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي).
(حتى إذا التقت واختلطت) المراد به التقاء أجزاء الأرض واختلاطها بتخمير المائين (أخذ بيده) أي بقدرته أو هو تمثيل (فعركها عركا شديدا جميعا) ليستكمل إلتيامها ويشتد ارتباط بعضها بعض (ثم فرقها فرقتين) فرقة لأبدان المؤمن وهي طينة الجنة وتتعلق بتلك الأبدان الأرواح المطيعة في العهد الأول وفرقة لأبدان الكافر وهي طينة السجين وتتعلق بتلك الأبدان الأرواح العاصية فيه (فخرج من كل واحدة منهما عنق) العنق بالضم وبالضمتين الجماعة من الناس (مثل عنق الذر) في الصغر والحركة (فأخذ عنق إلى الجنة) وهم المؤمنون (وعنق إلى النار) وهم الكافرون ولا تظن أن العباد لأجل ذلك مجبورون على الطاعة والمعصية لأن طايفة من الأرواح لما كانت مطيعة في العهد الأول خلقت لهم أبدان طاهرة وطائفة منها لما كانت عاصية خلقت لهم أبدان خبيثة كيلا يدخل الجنة إلا طاهر ولا يدخل النار إلا خبيث.