من سبعين ولا يلزم أن نبين تلك الأجزاء لأنه لا يلزم العلماء أن يعلموا كل شيء جملة وتفصيلا وقد جعل لله سبحانه لهم في ذلك حدا يوقف عنده فمنها ما لا يعلم أصلا ومنها ما يعلم جملة ولا يعلم تفصيلا وهذا منه ومنها ما يعلم جملة وتفصيلا لا سيما فيما طريقه السمع وبينه الشارع. وقيل:
مجموع خصال النبوة سبعون وإن لم نعلمها تفصيلا ومنها الرؤيا والمنام الصادق من المؤمن خصلة واحدة لها هذه النسبة مع تلك الخصال، ويحتمل أن يكون المراد أن ثمرة رؤيا المؤمن أعني الإخبار بالغيب في جنب فوائدها المقصودة يسيرة نسبتها إلى ما أطلعه الله تعالى على نبيه من فوائدها بذلك القدر لأنه يعلم من فوائد مناماته بنور نبوته ما لا نعلمه من حقايق مناماتنا وأن يكون المراد أن دلالة رؤيا المؤمن على الإخبار بالغيب جزء من دلالة رؤيا النبي صلى الله عليه وآله والنسبة بذلك القدر لأن المنامات إنما هي دلالات والدلالات منها خفي ومنها جلي والخفي له نسبة مخصوصة مع الجلي في نفس الأمر، فبينها عليه السلام بأنها بذلك القدر والفرق بين هذين الوجهين أن الأول منهما باعتبار التفاوت في الثمرات والثاني باعتبار التفاوت في الدلالات والمراد بأجزاء النبوة فيهما أجزاء رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وليس المراد بها جميع أجزاء النبوة.
وهذا وإن كان بعيدا بحسب اللفظ لكنه غير مستبعد بحسب الواقع إذ الظاهر أن خصال النبوة غير منحصرة في السبعين ومن طريق العامة أيضا «إن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من أجزاء النبوة» فقيل في توجيهه: إن ذلك باعتبار مدة النبوة لأن النبي أقام يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة ثلاثة عشرة بمكة وعشرا بالمدينة وكان قبل ذلك نسبة أشهر يرى في المنام ما يلقى إليه الملك وسنبة نصف سنة من ثلاثة وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين.
* الأصل:
59 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد، عن الرضا (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات؟ يعني به الرؤيا.
* الشرح:
قوله (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أصبح قال لأصحابه «هل من مبشرات» يعني به الرؤيا) من طريق العامة عن سمرة بن جندب قال «كان النبي صلى الله عليه وآله إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: «هل رأى منكم أحد البارحة الرؤيا» قال عياض: التعبير بعد الصبح وأول النهار أولى اقتفاء بفعله عليه السلام ولما جاء أن في البكرة بركات ولأن الذهن حينئذ أجمع لخلوه عن الشغل بأعمال النهار ولقرب عهد الرائي لما رآه ولعدم طرو ما يخلط عليه رؤياه وفيه الكلام في العلم بعد صلاة الصبح.