والصحيح التفسير الثاني لأن القيامة هي الحاقة التي تحق فيها الحقائق فكل ما قرب منها فهو أخص بها. وقال الآبي: فسره بعض الشافعية بثالث هو من قوله صلى الله عليه وآله: «يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة» قالوا: وذلك عند خروج المهدي عليه السلام وهو زمان يقصر ويتقارب أجزاؤه للاستلذاذ به هذا كلامهم، ثم أنه لابد هنا من بيان شيئين أحدهما بيان السبب لكون رؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة وثانيهما بيان السبب لهذه النسبة المخصوصة أعني كونها جزءا من سبعين جزءا، أما الأول فنقول: الرؤيا الصادقة من المؤمن الصالح جزء من أجزاء النبوة لما فيها من الإعلام الذي هو على معنى النبوة على أحد الوجهين.
وقد قال كثير من الأفاضل أن للرؤيا الصادقة ملكا وكل بها يري الرائي من ذلك ما فيه من تنبيه على ما يكون له أو يقدر عليه من خير أو شر وهذا معنى النبوة لأن لفظ النبي قد يكون فعيلا بمعنى مفعول أي يعلمه الله تعالى ويطلعه في منامه من غيبه ما لا يظهر عليه أحد الا من ارتضى من رسول، وقد يكون بمعنى فاعل كعليم أي يعلم غيره بما ألقى إليه وهذا أيضا صورة صاحب الرؤيا.
وقال القرطبي: الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مسلم صالح صادق لأنه الذي يناسب حاله حال النبي وكفى بالرؤيا شوقا أنها نوع مما أكرمت به الأنبياء وهو الاطلاع على شيء من علم الغيب كما قال صلى الله عليه وآله «لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة يراها الرجل المسلم» وأما الكافر والكاذب والمخلط وإن صدقت رؤياهم في بعض الأحيان فإنها لا تكون من الوحي ولا من النبوة إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره نبوة بدليل الكاهن والمنجم فإن أحدهم قد يحدث ويصدق لكن على الندرة وكذلك الكافر قد تصدق رؤياه كرؤيا العزيز سبع بقرات ورؤيا الفتيان في السجن ورؤيا عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وهي كافرة ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلطة الفاسدة.
وأما الثاني فقيل: يحتمل أن يكون هذه التجزية من طريق الوحي منه ما سمع من الله تعالى بدون واسطة كما قال تعالى (أو من وراء حجاب) ومنه ما سمع بواسطة الملك ومنه ما يلقى في القلب كما قال تعالى: (أو من وراء حجاب) أي الالهام، ومنه ما يأتي معه الملك وهو على صورته، ومنه ما يأتيه به وهو على صورة آدمي، ومنه ما يأتيه في منامه بحقيقته، ومنه ما يأتيه بمثال أحيانا يسمع الصوت ويرى الضوء، ومنه ما يأتي به كصلصة الجرس ومنه ما يلقيه روح القدس في روعه إلى غير ذلك مما وقفنا عليه ومما لم نقف ويكون مجموع الطرق سبعين فتكون الرؤيا التي هي ضرب مثال جزءا من ذلك العدد من أجزاء الوحي.
والحاصل أن للنبي طرق إلى العلم وإحدى تلك الطرق الرؤيا ونسبتها إلى تلك الطرق أنها جزء