عليهم الإتيان بما فيه رضاه والاجتناب عما فيه سخطه ولعل المراد بأمر الله الموت كما قيل في تفسير (فإذا جاء أمر الله) (لا مرد له)، ويحتمل الأعم منه ثم رغب في الطاعة وزجر عن المعصية بانقطاع زمانهما سريعا وترتب ما لكل منهما عليه عن قريب في قوله (وكل ما هو آت قريب) أراد به الموت وما بعده أو الأعم (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) دل على أنه يشاء كل ما يكون وهذا في فعله تعالى ظاهر وأما في فعل العباد فبإعتبار أنه لما أعطاهم القوة على الطاعة والمعصية ولم يجبرهم على شيء منهما تحقيقا لمعنى الاختيار والتكليف فقد شاء صدورهما منهم إذ لو لم يشأ لما أعطاهم القوة ولجبرهم على الطاعة أو باعتبار أنه لما شاء مشيئتهم فقد شاء أفعالهم وبهذا فسر بعض المفسرين قوله تعالى: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) وهذا قريب من الأول وقيل المراد بالمشيئة العلم وهذا التوجيه وإن كان بعيدا لغة وعرفا لكنه أنسب معنى إذ لا يحتاج إلى التوجيه أصلا وعلى التقادير يظهر سر ما روي من أنه شاء ولم يرض وقد ذكرنا في شرح التوحيد في باب المشيئة وغيره ما ينكشف به الغطاء.
(فتعاونوا على البر والتقوى) الظاهر أن الفاء فصيحة أي إذا عرفتم ما ذكر من المواعظ والنصايح ولزوم الطاعة والتحرز عن المعصية «فتعاونوا على البر والتقوى» وإنما أمر بالتعاون فإن نظام الدين وقوامه لا يحصل إلا به كما ستعرفه في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام ولعل المراد بالبر الإحسان إلى الخلق مثل العفو والإغضاء وغيرهما والإتيان بالمأمور به وبالتقوى الإجتناب عن المنهي عنه. ويمكن تخصيص البر بالإحسان وتعميم التقوى وشمولها للامتثال والاجتناب (ولا تعاونوا على الإثم) بترك الأوامر وفعل المناهي (والعدوان) بالتشفي والانتقام وترك الإحسان (واتقوا الله إن الله شديد العقاب) وعيد عظيم بأنه يعذب من خالفه عذابا شديدا لشدة شكيمته وعظمة جريمته.
* الأصل:
40 - وبهذا الإسناد، عن أبان، عن يعقوب بن شعيب أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل (كان الناس امة واحدة) فقال: كان الناس قبل نوح امة ضلال فبدا لله فبعث المرسلين وليس كما يقولون لم يزل وكذبوا، يفرق الله في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء الله عزوجل أن يقدر إلى مثلها من قابل.
* الشرح:
(كان الناس أمة واحدة) فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، قال القاضي:
أريد به الجنس ولا يريد أنه أنزل مع كل واحد كتابا يخصه فإن أكثرهم لم يكن له كتاب يخصهم