ولكنه انصرف إلى أشكاله فرد في أشغاله» وفيه حث بليغ على الصبر عند ورود المصائب وزجر عن الجزع بنزول النوائب وفي بعض النسخ «يعينه الله» وهو أيضا ضعيف لما مر (ومن يتوكل على الله فحسبه الله) كما قال تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي من توكل على الله وانقطع عن غيره ورجع إليه بصدق النية فالله حسبه وكافيه في إيصال النفع ودفع الضر لأن الوكيل إذا كان أمينا عالما حكيما قادرا يفعل لموكله كل ما هو خير له بالضرورة (ولا تسخطوا الله برضا أحد من خلقه) نهى عن إرضاء المخلوق بما فيه سخط الله وغضبه والمساهلة معهم فيما هو خلاف مراد الله تعالى طلبا لرضائهم كاتباع السلاطين والجائرين في جورهم وأقوالهم وأفعالهم والثناء لهم والتكلم على وفق مرادهم والنصرة لهم ويندرج فيه الحمية بالباطل للحميم وشهادة الزور ورعاية أحد المتخاصمين لصداقته وموافقة الرفقاء في الغيبة ليرضوا عنه ويميلوا إلى صحبته (ولا تقربوا إلى أحد من الخلق تتباعدوا من الله) نهى عن التقرب من الخلق والتوسل بهم فإنه سبب للبعد من الله ولابد من حملهم على من ليسوا من أهل التقرب بهم فإن التقرب بالأولياء والعلماء والصلحاء الذين هم وجه الله تعالى تقرب إلى الله كما دلت عليه الروايات المعتبرة ولما كان المذكور دالا على النهي عن طاعة الخلق وطلب مرضاتهم والغرض منه طلب طاعة الله وطلب مرضاته علله بقوله:
(فإن الله عز وجل ليس بينه وبين أحد من الخلق شيء يعطيه به خيرا ولا يدفع به عنه شرا إلا بطاعته واتباع مرضاته) لعل المراد بالخير الأعم منهما والمراد أنه ليس بين الله وبين الخلق شيء يوجب الوصول إلى الخير ودفع الشر إلا طاعته واتباع مرضاته وهما لا يتحققان فيمن تقرب بشرار الخلق وطلب رضاهم بما فيه سخط الله تعالى، ثم رغب في الطاعة بذكر ثمرتها التي هي أعظم الثمرات وأكمل الفوائد بقوله (إن طاعة الله) فيما أمر ونهى (نجاح من كل خير يبتغى) أي يطلب في الدنيا والآخرة (ونجاة من كل شر يتقى) أي يحترز منه فإن المطيع لله فائز بكل خير وعده للمطيعين وناج من كل شر أوعده للعاصين ثم علل الحكمين بأن المطيع في وقاية الله بفضله وإن لم يقصد من الطاعة ذلك والعاصي لا يقدر على الامتناع من عقوبته كما أشار إليه بقوله (وإن الله عز ذكره يعصم من أطاعه) أي يحفظه ويقيه عن كل مكروه وشر (ولا يعتصم به) أي يمتنع بالله (من عصاه) لعدم قدرته عليه وعدم وجود ما يعتصم به عن الطاعة، ولما بقي احتمال آخر وهو أن يهرب من الله أشار إلى امتناع هذا الاحتمال بقوله (ولا يجد الهارب من الله مهربا) إذ كل مهرب يفرض فهو داخل في قدرة الله وسلطانه، وبالجملة تخلص العاصي إما بامتناعه وقدرته أو بفراره ولا يتصور شيء منهما هنا ثم أشار على سبيل التأكيد إلى الخلق مسخر لأمره تعالى بقوله (وأن أمر الله نازل ولو كره الخلائق) وليس لهم الإباء عن نزوله وإن لم يوافق طباعهم وإذا كان كذلك وجب