الشيء إذاعته وتشهيره ليقوله الناس وضمير به راجع إلى الموصول والكذبة مصدر، ولعل المراد بها كذبة نفسه يقال: كذبته نفسه إذا منته الأماني وخيلت إليه من الآمال فتنشطه وتبعثه على نقل ما يفضي إليها من الأعمال، ولعل المراد أن من أراد بعمله المشتغل به السمعة أو أظهر عمله الذي فعله في السر ليسمعه الناس ويحمدوه عليه يشهر الله به أمانيه وآماله ويظهر للناس غرضه وأن عمله كان للسمعة والرياء ولم يكن خالصا لله أو المراد أن من ذكر لنفسه عملا لم يفعله ونسب إلى نفسه خيرا لم يصنعه يشهر الله بين الناس كذبه ويفضحه (ومن يتول الدنيا يعجز عنها) فإن أمورها جلها أو كلها صعب إما بالذات أو لكثرة الموانع وإليه أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله «من ساعاها» أي سعى للدنيا «فاتته» قيل: أقوى أسباب الفوت أن تحصيل الدنيا أكثر ما يكون بمنازعة أهلها ومجاذبتهم إياها ومن البين أن ثوران الشهوة والغضب والحرص عند المجاذبة للشيء وقوة منع الإنسان له سبب لتفويت بعضهم له على بعض وفيه تنبيه على وجوب ترك الحرص عليها والإعراض عنها إذ كان فواتها اللازم عن شدة السعي فيها مكروها للسامعين.
(ومن يعرف البلاء يصبر) لأنه عاقل حيث يعرف أنه من تقدير الرب تبارك وتعالى على العبد لمنافع تعود إليه فلا محالة يصبر عليه أو المراد أن من يعرف البلاء قبل نزوله وهيأ نفسه لقبوله يصبر بعد وصوله كما يرشد إليه بعض الروايات (ومن لا يعرفه ينكل) أي يجبن ويضعف وفيه أمر بحسن الاستعداد لقبوله لئلا يعجز عند نزوله (والريب كفر) أي الشك في أصول الدين وفروعه أو في نصح الإمام العادل أو القلق والاضطراب لدى الحق كفر (ومن يستكبر يضعه الله) أي من يستكبر على الله وعلى الرسول وأولي الأمر في قبول الأمر والنهي والطاعة أو على المؤمنين أو على قبول الحق مطلقا يضعه الله في الدنيا والآخرة (ومن يطع الشيطان يعص الله ومن يعص الله يعذبه الله) دل بالأول من الشكل الأول على أن من يطع الشيطان يعذبه الله أما الصغرى فظاهرة لأن أمر الشيطان مخالف لأمر الله وأما الكبرى فينبغي تقييدها بعدم التوبة والعفو والإحباط والتكفير أو بتخصيص الطاعة بما يقتضي الكفر ومن يشكر يزده الله الشكر ربط الظاهر والباطن بالمنعم الحق صرفهما فيما خلقا له، وهو تابع لمعرفته وسبب لزيادة النعمة والطاعة كما قال تعالى (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وفي بعض النسخ «يزيده الله» وهو ضعيف لأن الشرط والجزاء إذا كانا مستقبلين كان الأحسن جزم الجزاء فرفعه ضعيف.
(ومن يصبر على الرزية يعنه الله) بالتوفيق للخيرات كلها والوصول إلى أعلى مقامات الرضا بقضاء الله والصبر يفضي إلى غاية الكمال وإليه يرشد ما نقل من أنه يقول الله تعالى «لو أن ابن آدم قصدني في أول المصائب لرأى من العجائب ولو انقطع إلي في أول النوائب لشاهد مني الغرائب