(فعليكم بحسن التخلص) أي بحسن النجاة من الباطل (وقلة التربص) أي قلة الانتظار والمكث عند الشبهات، لأن الشبهة مرض مهلك والفرار من المهلكات واجب، وإنما التربص الضروري هو قدر أن يحصل العلم بالحق، ويكفي فيه أدنى تفكر، وقد مر شرحه في آخر كتاب العقل.
* الأصل:
3 - علي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن سماعة بن مهران، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إن العزيز الجبار أنزل عليكم كتابه، وهو الصادق البار، فيه خبركم، وخبر من قبلكم، وخبر من بعدكم، وخبر السماء والأرض، ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك لتعجبتم).
* الشرح:
قوله: (إن الله العزيز الجبار) أي الذي غلب على جميع الخلائق بالإيجاد والإفناء وجبر مفاقر العباد بكفاية أسباب المعاش والأرزاق، وأصلح نقائص حقائق الممكنات بإفاضة الوجود، وما يتبعه من الخيرات والكمالات (أنزل عليكم كتابه، وهو الصادق البار) لأنه صادق في جميع ما نطق به، ومتسع إحسانه إلى جميع الأنام، وسائق قائد لهم إلى دار السلام (فيه خبركم) خطاب للموجودين الحاضرين والغائبين على سبيل التغليب.
(وخبر من قبلكم وخبر من بعدكم) يعني فيه أخبار كل واحد واحد وبيان أحواله المختص به والمشتركة بينهم، وبين جماعة من المصائب والنوائب، وما يصدر منه، وما يرد عليه، وما يتعلق به ويراد منه على الخصوص أو العموم.
(وخبر السماء والأرض) يعني فيه خبر جوهر السماء وسكانها وحركات الأفلاك ودورانها وأحوال الملائكة ومقاماتها وحركات الكواكب ومداراتها ومنافع تلك الحركات وتأثيراتها إلى غير ذلك من الأمور الكائنة في العلويات، وفيه خبر جوهر الأرض وكيفية إيجادها وانتهائها، وخبر ما في سطحها وأرجائها، وما في تحتها وأهوائها، وخبر ما فيها من المعدنيات، وما في جوف فلك القمر من البسائط والمركبات إلى غير ذلك من الأحوال المتعلقة بالسفليات.
(ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك) أي عما في القرآن من العلوم والحقائق والأسرار والدقائق، وما كان وما يكون وما هو كائن. (لتعجبتم منه) لسمو حاله وعلو كماله ونهاية لطافته وغاية غرابته، والحاصل أنكم متعجبون منه لو علمتم ما فيه، واحتمال أنكم تتعجبون ممن يخبر عما فيه فكيف لا تتعجبون منه مع أنه مخبر عنه أيضا بعيد، لأن التعجب بعد العلم لا يستلزم التعجب قبله فتأمل.