المظهر لغيره، والحكمة قيل: هي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، وشاع إطلاقها على العلم بالشرائع النبوية.
(ودليل على المعرفة) أي معرفة الرب وصفاته الذاتية والفعلية أو الأعم الشامل لمعرفة ما يراد من الإنسان وما يتم به نظامهم في الدارين، وفي بعض النسخ (دليل على المغفرة).
(لمن عرف الصفة) هي إما مصدر يقال: وصف الشيء يصف وصفا وصفه إذا بين حاله وذكر أوصافه، أو نعت وهو حال الشيء وخواصه وآثاره، يعني القرآن دليل على المعرفة لمن عرف وصف القرآن للأشياء، ونطقه بأحوالها التي من جملتها الولاية إذ لا يتم المعرفة بدون معرفتها، أو لمن عرف نعته وصفته من الغرائب والعجائب والمزايا المندرجة فيه، والله أعلم.
(فليجل جال بصره) أي بصره القلبي ليدرك جواب الكلام وأطرافه وحقائق مدلولاته وأسراره، وقوله: (فليجل) إما من الجلاء، يقال: جلا السيف والمرآة أصقلهما، أو من الإجالة وهي الإرادة يقال: أجاله وبه أداره، وجال إذا دار، وفي جال قلب أصله جائل كما في شاكي السلاح.
(وليبلغ الصفة نظره) إما من البلوغ، وهو الوصول أو من الإبلاغ وهي الإيصال، فإن فعل ذلك (ينج من عطب) أي من هلاك لتميزه بين الحق والباطل والضلالة والهداية وثباته في سبيل الرشاد بمتابعة أهل العصمة والولاية.
(ويتخلص من نشب) النشب بالتحريك علوق العظم ونحوه في الحلق وعدم نفوذه فيه، وهو مهلك غالبا لسد مجرى النفس، فهو كناية عن الهلاك، ويمكن أن يراد به نشب الضلالة والجهالة والغواية على تشبيهها بطعام ذا غصة في الإضرار والإهلاك، ثم علل ذلك بقوله: (فإن التفكر) في الأسرار الإلهية واللطائف القرآنية.
(حياة قلب البصير) أي سبب لحياته، فالحمل للمبالغة، وذلك لأن التفكر سبب للعلم، والعلم سبب للحياة، كما أن الجهل سبب للموت، وإليهما يرشد قوله تعالى: (أومن كان ميتا فأحييناه) والبصر محركة من العين حسها، ومن القلب نظره وخاطره وإدراكه بصر به كفرح وكرم صار بصيرا، أي مبصرا، والمراد به هنا العالم أو الفطن الذكي، وإضافة القلب إليه إما لامية أو بيانية وفي الجمع بينهما فائدة، وهي أنه لو لم يذكر القلب لتوهم أن المراد بالبصير البصير بالعين، ولو لم يذكر البصير لتوهم أن التفكر سبب لحياة قلب الجاهل والغبي أيضا، وليس كذلك.
(كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور) أي بنور المصباح أو المشعل والظرفان يتعلقان بيمشي أو بالمستنير أو بهما على سبيل التنازع أو الأول بالأول والثاني بالثاني أو بالعكس، وفيه تشبيه معقول بمحسوس على سبيل التمثيل لقصد الإيضاح.