النهاية: قيل: ظهرها لفظها، وبطنها معناها، وقيل: أراد بالظهر ما ظهر تأويله وعرف معناه، وبالبطن ما بطن، وقيل: قصصه في الظاهر أخبار، وفي الباطن عبر وتنبيه وتحذير وغير ذلك، وقيل: أراد بالظهر التلاوة وبالبطن التفهم والتفهيم.
أقول: يمكن أن يراد بالظهر ما يدل عليه اللفظ من المفهومات اللغوية وبالبطن ما يندرج تحت تلك المفهومات من الحقائق واللطائف والدقائق والأسرار التي بعضها فوق بعض، ولا يعرف جميعها إلا الطاهرون الراسخون في العلم.
(فظاهره حكم) الحكم بالضم القضاء، والحاكم منفذ الحكم والمنع، ومنه حكمة اللجام بالتحريك، وهي حديدة في فم الفرس تمنعه من مخالفة راكبه، والإحكام الإتقان، وفي الكنز حكم استوار كار شدن، ومنه الحكيم لأنه يحكم الأشياء ويتقنها، فهو فعيل بمعنى مفعل يعني أن ظاهره، وهو ألفاظه وعباراته وأسلوبه وآياته حاكم قاض لنا وعلينا، أو كلام مانع من الجهل والسفه، وينهى عنهما أو محكم متقن لا إختلاف فيه ولا اضطراب.
(وباطنه) علم بتفاصيل الأشياء من المواعظ والأمثال والأحكام والأخلاق وأحوال المبدء والمعاد وغير ذلك مما ينتفع به الناس ويستقيم به نظامهم في الدنيا والآخرة.
(وظاهره أنيق) الأنق محركة الفرح والسرور والكلاء أنق كفرح والشيء أحبه وبه أعجب يعني أن ظاهره حسن معجب لاشتماله على أسلوب عجيب، وتركيب غريب، ومزايا فاخرة، ونكات ظاهرة، يتحير في حسنه الفصحاء، ويتعجب منه البلغاء.
(وباطنه) عميق لا يصل إلى قعره عقول العلماء، ولا يبلغ إلى أصله فحول الحكماء.
(له نجوم وعلى نجومه نجوم) إما مصدر بمعنى الطلوع والظهور، يقال: نجم الشيء ينجم بالضم نجوما، إذا طلع وظهر أو جمع نجم بمعنى الكوكب أو الأصل أو الوقت المضروب بحضور الشيء، والمقصود على التقادير أن معانيه مترتبة غير محصورة يظهر بعضها من بعض ويطلع بعضها عقيب بعض. (لا تحصى عجايبه) العجب الشيء الذي عظم موقعه عند الناس.
(ولا تبلى غرايبه) لأن غرائبه وهي المزايا والأسرار الخارجة عن طوق البشر البعيدة عن أفهامهم وأوهامهم، كلما أدركت مرة بعد أخرى كانت جديدة معجبة للنفس موجبة للنشاط بها والميل إليها.
(مصابيح الهدى) الهدى بضم الهاء وفتح الدال الرشاد والدلالة، والمصباح السراج، والجمع باعتبار السور والآيات، والإضافة لامية وإطلاقها على القرآن من باب الاستعارة.
(ومنار الحكمة) أي محل ظهورها والإضافة لامية، وأصله منور من النور، وهو الظاهر في نفسه