رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز.
قال: فقام المقداد بن الأسود، فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة؟ قال: دار بلاغ وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع، وما حل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره ينج من عطب ويتخلص من نشب فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص.
* الشرح:
قوله: (أيها الناس أنكم في دار هدنة) يصلح أن يكون أمرا للأخبار بعده بالمصالحة مع الأشرار، ولكن له تفسير آخر يأتي ذكره.
(وأنتم على ظهر سفر) الظهر الصلب، وأيضا الإبل التي يحمل عليها ويركب والإضافة لامية وفيه على الأول مكنية وتخييلية وعلى الثاني استعارة تحقيقية بتشبيه الليل والنهار بالظهر، واستعارته لهما وفيه على التقادير مبالغة في شدة السير وسرعته والوغول فيه، كما أشار إليه بقوله:
(والسير بكم سريع) السير الذهاب والاذهاب يقال: سار يسير إذا ذهب وساره غيره إذا أذهبه كسار به، وفاعل السير الظهر، والباء على الأول للتعدية، وعلى الثاني للمبالغة فيها، ثم أشار إلى تحقق ذلك وظهوره لمن له بصيرة بقوله: (وقد رأيتم الليل والنهار) وتعاقبهما (والشمس والقمر) ودورهما.
(يبليان كل جديد) كما هو المشاهد في الحيوانات والنباتات وغيرهما من المكونات، وحسبك النظر إلى نفسك من بدء وجودك إلى كمال الشيخوخة (ويقربان كل بعيد) ألا ترى أن كل ما هو في الحال كان بعيدا في زمان نوح مثلا، وكل ما يقع في الاستقبال سيصير حالا، وما ذلك إلا بتعاقب الليل والنهار ودوران الشمس والقمر.
(ويأتيان بكل موعود) ألا ترى كيف أتيا بغاية آجال آبائك وأجدادك وكل من كان في الأعصار السابقة ولا يتفكر في أنهما سيأتيان بغاية أجلك وبما وعد الله تعالى للمطيعين والعاصين، ثم أشار إلى ما هو كالنتيجة لهذا الكلام البليغ والمقصود منه بقوله: