وربما وكل علم المعنى إلى العقول أن يتأمل الكلام. ولا أعلم عبارة عن معنى فرض الطاعة أوكد من قول النبي صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم "؟ ثم قوله:
" فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لأنه كلام مرتب (1) على إقرار المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله يعني الطاعة وأنه أولى بهم من أنفسهم ثم قال صلى الله عليه وآله: " فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه " لان معنى " فمن كنت مولاه " هو فمن كنت أولى به من نفسه لأنها عبارة عن ذلك بعينه، إذ كان لا يجوز في اللغة غير ذلك، ألا ترى أن قائلا لو قال لجماعة:
أليس هذا المتاع بيننا نبيعه ونقتسم (3) الربح والوضيعة فيه؟ فقالوا له: نعم. فقال:
" فمن كنت شريكه فزيد شريكه " كان كلاما صحيحا والعلة في ذلك أن الشركة هي عبارة عن معنى قول القائل: " هذا المتاع بيننا نقتسم (2) الربح والوضيعة " فلذلك صح بعد قول القائل: " فمن كنت شريكه فزيد شريكه " وكذلك [هنا] صح (3) بعد قول النبي صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بكم من أنفسكم [فمن كنت مولاه فعلي مولاه "] لان مولاه عبارة عن قوله: " ألست أولى بكم من أنفسكم " وإلا فمتى لم تكن اللفظة التي جاءت مع الفاء الأولى عبارة عن المعنى الأول لم يكن الكلام منتظما أبدا ولا مفهوما ولا صوابا بل يكون داخلا في الهذيان، ومن أضاف ذلك إلى رسول صلى الله عليه وآله كفر بالله العظيم، وإذا كانت لفظة " فمن كنت مولاه " تدل على من كنت أولى به من نفسه على ما أرينا وقد جعلها بعينها لعلي عليه السلام قد جعل أن يكون علي عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم وذلك هو الطاعة لعلي عليه السلام كما بيناه بدءا.
ومما يزيد ذلك بيانا أن قوله عليه السلام: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لو كان لم يرد بهذا أنه أولى بكم من أنفسكم جاز أن يكون لم يرد بقوله صلى الله عليه وآله: " فمن كنت مولاه " أي من كنت أولى [به] من نفسه وإن جاز ذلك لزم الكلام الذي من قبل هذا من أنه يكون كلاما مختلطا فاسدا غير منتظم ولا مفهم معنى ولا مما يلفظ به حكيم ولا عاقل، فقد لزم بما مر من كلامنا وبينا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بكم من أنفسكم " أنه