وإعلانا وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم فوالذي نفسي بيده ما غزى قوم قط في عقر ديارهم إلا ذ لوا، فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقتلوا حسان بن حسان ورجالا منهم كثيرا ونساء، والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة فتنتزع أحجالهما ورعثهما، ثم انصرفوا موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما، فلو أن امرءا مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي فيه ملوما بل كان عندي به جديرا! يا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم! إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء قلتم: هذا أوان قر وصر! وإذا قلت لكم: اغزوهم في الصيف قلتم: هذه حمارة القيظ أنظرنا ينصرم الحر عنا! فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أفر.
يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام (1) ويا عقول ربات الحجال (2) والله لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان، ولقد ملأتم جوفي غيظا حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب شجاع ولكن لا رأي له في الحرب. لله درهم! ومن ذا يكون أعلم بها وأشد لها مراسا مني؟
فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع - يقولها ثلاثا - فقام إليه رجل ومعه أخوه فقال: يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا كما قال الله عز وجل حكاية عن موسى: " رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " (3) فمرنا بأمرك فوالله لننتهين إليه ولو حال بينا وبينه جمر الغضا (4) وشوك القتاد. فدعا له بخير، ثم قال: وأين تقعان مما أريد؟! ثم نزل عليه السلام.
تفسيره: قال المبرد: " سيما الخسف " تأويله علامة، قال الله عز وجل:
" سيماهم في وجوههم من أثر السجود " (5) وقال الله عز وجل: " يعرف المجرمون بسيماهم " (6)