ب - آخر الليل قال: ثم دخل في الصلاة، فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته، قمت إلى الموضع الذي تهيأ فيه للصلاة، فإذا بعين ماء تفيض بماء أبيض، فتهيأت للصلاة، ثم قمت خلفه، فإذا أنا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت، فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد، يرددها بأشجان الحنين، فلما أن تقشع الظلام، وثب قائما وهو يقول:
يا من قصده الطالبون فأصابوه مرشدا، وأمه الخائفون فوجدوه متفضلا، ولجأ إليه العابدون فوجدوه نوالا.
متى راحة من نصب لغيرك بدنه!؟ ومتى فرح من قصد سواك بنيته!؟ إلهي قد تقشع الظلام، ولم أقض من خدمتك وطرا، ولا من حياض مناجاتك صدرا، صل على محمد وآله، وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين.
فخفت أن يفوتني شخصه، وأن يخفى علي أثره، فتعلقت به، فقلت له: بالذي أسقط عنك ملال التعب، ومنحك شدة شوق لذيذ الرغب، إلا ألحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقة، فإني ضال، وبغيتي كلما صنعت، ومناي كلما نطقت.
فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالا، ولكن اتبعني واقف أثري. فلما أن صار بجنب الشجرة، أخذ بيدي، فخيل إلي أن الأرض تمد من تحت قدمي.
فلما انفجر عمود الصبح، قال لي: أبشر فهذه مكة. قال: فسمعت الضجة، ورأيت المحجة، فقلت: بالذي ترجوه يوم الآزفة ويوم الفاقة، من أنت؟
فقال لي: أما إذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.