فكفى واعظا بموتى عاينتموهم. حملوا إلى قبورهم غير راكبين (2)، وأنزلوا فيها غير نازلين. فكأنهم لم يكونوا للدنيا عمارا، وكأن الآخرة لم تزل لهم دارا. أوحشوا ما كانوا يوطنون (3)، وأوطنوا ما كانوا يوحشون. واشتغلوا بما فارقوا، وأضاعوا ما إليه انتقلوا.
لا عن قبيح يستطيعون انتقالا، ولا في حسن يستطيعون ازديادا.
أنسوا بالدنيا فغرتهم، ووثقوا بها فصرعتهم. فسابقوا - رحمكم الله - إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها، والتي رغبتم فيها ودعيتم إليها. واستتموا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته، والمجانبة لمعصيته فإن غدا من اليوم قريب. ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر 189 - ومن كلام له عليه السلام فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب. ومنه ما يكون
____________________
بالعقاب (1) أغفله: سها عنه وتركه (2) إنما يقال ركب ونزل حقيقة لمن فعل بإرادته (3) أوطن المكان: اتخذه وطنا. وأوحشه: هجره حتى لا أنيس منه به. وقوله واشتغلوا.