مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها. لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس (1) ولو فكرت في مجاري
أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها (2) وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر. ولو
ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شئ (3)، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال (4) وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات. فالويل لمن
____________________
الورود. وقوله بوفقها بكسر الواو أي بما يوافقها من الرزق ويلائم طبعها (1) الجامس الجامد (2) الشراسيف: مقاط الأضلاع وهي أطرافها التي تشرف على البطن (3) أي أن دقة التفصيل في النملة على صغرها والنخلة على طولها تدلك على أن الصانع واحد (4) القلال - جمع قلة بالضم - وهي رأس الجبل