القبور، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه، لا أنه جمع قبر. وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه. وذكر الآمدي وغيره: أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر.
وذكر بعضهم: هذا منصوص أحمد).
وفي كلام الشيخ رحمه الله التصريح بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة إنما هي سد الذريعة، وهذا أحد قولي العلماء في ذلك، والقول الاخر أن العلة إنما هي نجاسة أرض المقبرة! وهما قولان في مذهب الحنفية، وقد نظر ابن عابدين في (الحاشية) (1 / 352) في الثاني منهما، وذلك لان الاستحالة مطهرة عندهم، فكيف تكون هذه العلة صحيحة!؟ ولا شك عندنا أن القول الأول هو الصحيح، وقد بين ذلك شيخ الاسلام في كتبه، واستدل له بما لا تجده عند غيره، فراجع مثلا كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) (152، 193)، وعليه مشى في (الحانية) من كتب الحنيفة، وأشار إليه الطحاوي في حاشيته على (مراقي الفلاح) فقال عند قول الشارح (وتكره الصلاة في المقبرة) (1 / 208) (بتثليث الباء، لأنه تشبه باليهود والنصارى، قال (ص): لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه. ويستثنى مقابر الأنبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقا منبوشة أو لا، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة، لأنهم أحياء في قبورهم)!
قلت: وهذا الاستثناء باطل ظاهر البطلان، كيف وهو يناقض العلة التي ذكرها والحديث الذي استدل به عليها، وكيف يصح مثل هذا الاستثناء والأحاديث مستفيضة في لعن أهل الكتاب لاتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ثم صح أن النبي (ص) نهانا عن ذلك، فالنهي منصب على اتخاذ قبور الأنبياء مباشرة، وغيرهم يلحق بهم، فكيف يعقل استثناؤهم!؟ والحق أن مثل هذا الاستثناء إنما يتمشى مع القول الثاني أن العلة النجاسة وقبور الأنبياء بلا شك طاهرة لأنهم كما قال عليه السلام: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، ولكن هذه العلة باطلة وما بني على باطل فهو باطل. (1)