عنه فيحتج به حينئذ، وليس هذا منها، لكن معناه صحيح بدليل حديث النعمان. قال الطيبي في شرحه:
(أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام [هو العبادة] ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء. وقال غيره: المعنى هو من أعظم العبادة فهو كخبر (الحج عرفة) أي ركنه الأكبر، وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله، معرضا عما سواه، لأنه مأمور به، وفعل المأمور عبادة، وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره، إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة).
ذكره المناوي في (الفيض).
قلت: فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي أمر باستقبالها في الصلاة، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أنه (لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة). قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم) (ص 175):
(وهذا أصل مستمر أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء. ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين، وشر واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله. وقبر رسول الله (ص)! وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى).
وذكر قبل ذلك بسطور عن الإمام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي (ص) بعد السلام عليه. وهو مذهب الشافعية أيضا، فقال النووي في (المجموع) (5 / 311):
وقال الإمام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني - وكان من الفقهاء المحققين - في كتابه في (الجنائز): (ولا يستلم القبر بيده: ولا يقبله). قال: (وعلى هذا مضت السنة). قال: واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الان من المبتدعات المنكرة