لعدم إمكان ذلك في زمانهم، وسبق أن الأكثرين يقولون باستقبال وجهه (ص) أيضا عند السلام عليه، وهذا يستلزم استدبار القبلة. الامر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة، ولا بد له من دليل. لاثباته، فهل له من وجود؟ ذلك مما لا أعرفه، ولا رأيت أحدا من العلماء تعرض لهذا، سواء في خصوص قبر الرسول (ص) أو في القبور عامة.
نعم، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال:
(مر رسول الله (ص) بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن على الأثر).
أخرجه الترمذي (2 / 156) والضياء في (المختارة) (58 / 192 / 1) من طريق الطبراني وقال الترمذي: (حسن غريب).
قلت: في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي: (ليس بالقوي). وقال ابن حبان: (ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له).
قلت: وهذا من روايته عن أبيه، فلا يحتج به، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده، فإن معناه ثابت في الأحاديث الصحيحة وقد مضى قريبا ذكر قسم طيب منها، إلا أن قوله: (فأقبل عليهم بوجهه) منكر لتفرد هذا الضيف به.
إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ علي القاري في (مرقاة المفاتيح) (2 / 407):
(فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه لوجه الميت وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضا، وعليه عمل عامة المسلمين، خلافا لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه في حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من أحاديث أخر في مطلق الدعاء).
قلت: وفي هذا الاستدلال نظر ظاهر، إذ ليس في الحديث إلا إقباله (ص) بوجهه على القبور، وأما الاقبال على وجوه الموتى، فشئ آخر وهو يحتاج إلى نص آخر