الافضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق في جانب واحد اه. قوله: (والذمية) محترز قوله المسلمة. قوله: (فلا تنظر إلخ) قال في غاية البيان: وقوله تعالى: * (أو نسائهن) * (النور: 31) أي الحرائر المسلمات، لأنه ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية اه. ونقله في العناية وغيرها عن ابن عباس، فهو تفسير مأثور. وفي شرح الأستاذ عبد الغني النابلسي على هدية ابن العماد عن شرح والده الشيخ إسماعيل على الدرر والغرر: لا يحل للمسلمة أن تنكشف بين يدي يهودية أو نصرانية أو مشركة، إلا أن تكون أمة لها كما في السراج، ونصاب الاحتساب، ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها المرأة الفاجرة لأنها تصفها عند الرجال، فلا تضع جلبابها ولا خمارها كما في السراج اه. قوله: (وشعر رأسها) والأولى تأخيره عما بعده ليكون نصا في عود الضمير إلى الحرة. قوله: (وعظم ذراع حرة ميتة) احتراز بالذراع عن عظم الكف والوجه مما يحل النظر إليه في الحياة، وقيد بالحرة لان ذراع الأمة يحل بالنظر إليه في حياتها، بخلاف نحو عظم ظهرها.
تنبيهات الأول: ذكر بعض الشافعية أنه لو أبين شعر الأمة ثم عتقت لم يحرم النظر إليه، لان العتق لا يتعدى إلى المنفصل اه. ولم أره لائمتنا، وكذا لم أر ما لو كان المنفصل من حرمة أجنبية ثم تزوجها، ومقتضى ما ذكر من التعليل حرمة النظر إليه، وقد يقال: إذا حل له جميع ما اتصل بها فحل المنفصل بالأولى، وإن كان منفصلا قبل زمن الحل، والله تعالى أعلم.
الثاني: لم أر ما لو نظر إلى الأجنبية من المرآة أو الماء، وقد صرحوا في حرمة المصاهرة بأنها لا تثبت برؤية فرج من مرآة أو ماء، لان المرئي مثاله لا عينه، بخلاف ما لو نظر من زجاج أو ماء هي فيه، لان البصر ينفذ في الزجاج والماء فيرى ما فيه، ومفاد هذا أنه لا يحرم نظر الأجنبية من المرآة أو الماء، إلا أن يفرق بأن حرمة المصاهرة بالنظر ونحوه شدد في شروطها، لأنه الأصل فيها الحل، بخلاف النظر لأنه إنما منع منه خشية الفتنة والشهوة، وذلك موجود هنا. ورأيت في فتاوى ابن حجر من الشافعية ذكر فيه خلافا بينهم ورجح الحرمة بنحو ما قلناه، والله أعلم.
الثالث: ذكر بعض الشافعية أنه كما يحرم النظر لما لا يحل يحرم التفكر فيه قوله تعالى: * (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * (النساء: 32) فمنع من التمني كما منع من النظر، وذكر العلامة ابن حجر في التحفة أنه ليس منه ما لو وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية حتى خيل إليه أنه يطؤها، ونقل عن جماعة منهم الجلال السيوطي والتقي السبكي أنه يحل لحديث: إن الله تجاوز لامتي ما حدثت به نفسها ولا يلزم من تخيله ذلك عزمه على الزنا بها، حتى يأثم إذا صمم على ذلك لو ظفر بها، وإنما اللازم فرض موطوءته تلك الحسناء. وقيل ينبغي كراهة ذلك، ورد بأن الكراهة لا بد لها من دليل. وقال ابن الحاج المالكي: إنه يحرم لأنه نوع من الزنا كما قال علماؤنا فيمن أخذ كوزا يشرب منه فتصور بين عينيه أنه خمر فشربه أن ذلك الماء يصير حراما عليه اه. ورد بأنه في غاية البعد ولا دليل عليه اه ملخصا. ولم أر من تعرض للمسألة عندنا، وإنما قال في الدرر: إذا شرب الماء وغيره من المباحات بلهو وطرب على هيئة الفسقة حرم اه. والأقرب لقواعد مذهبنا عدم الحل، لان تصور تلك الأجنبية بين يديه يطؤها فيه تصوير مباشرة المعصية على هيئتها، فهو نظير مسألة الشرب،