ليس حرام حقيقة عنده، بل هو شبيه به من جهة أصل العقوبة في النار وإن كان عذابه دون العذاب على الحرام القطعي، وهو خلاف ما اقتضاه ذكر الاختلاف بينه وبين الشيخين وتصحيح قولهما. نعم هو موافق لما حققه المحقق ابن الهمام في تحريك الأصول من أن قول محمد إنه حرام فيه نوع من التجوز للاشتراك في استحقاق العقاب، وقولهما على سبيل الحقيقة للقطع بأن محمدا لا يكفر جاحد الواجب والمكروه كما يكفر جاحد الفرض والحرام، فلا اختلاف بينه وبينهما في المعنى كما يظن اه.
وأفاده شارحه ابن أمير حاج بما ذكره محمد في المبسوط أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة: إذا قلت في شئ أكرهه فما رأيك فيه؟ قال: التحريم. ويأتي فيه أيضا ما في لفظ محمد للقطع أيضا بأن أبا حنيفة لا يكفر جاحد المكروه اه. وعلى هذا فالاختلاف في مجرد صحة الاطلاق، ويأتي تمام الكلام عليه قريبا. قوله: (فإلى الحل أقرب) بمعنى أنه لا يعاقب فاعله أصلا، لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، تلويح.
وظاهره أنه ليس من الحلال، ولا يلزم من عدم الحل الحرمة ولا كراهة التحريم، لان المكروه تنزيها كما في المنح مرجعه إلى ترك الأولى، والفاصل بين الكراهتين كما في القهستاني والمنح عن الجوهر: إن كان الأصل فيه الحرمة، فإن سقطت لعموم البلوى فتنزيه كسؤر الهرة، وإلا فتحريم كلحم الحمار، وإن كان حكم الأصل الإباحة وعرض ما أخرجه عنها، فإن غلب على الظن وجود المحرم فتحريم كسؤر البقرة الجلالة وإلا فتنزيه كسؤر سباع الطير. قوله: (مثله البدعة والشبهة) الذي يفيده كلام القهستاني أن البدعة مرادفة للمكروه عند محمد، والشبهة مرادفة للمكروه عندهما. قوله: (نسبته) أي من حيث الثبوت، وقوله فيثبت إلخ بيان لها لكن في اقتصار على ظني الثبوت قصور في العبارة.
بيان ذلك أن الأدلة السمعية أربعة: الأول: قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي. الثاني: قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة.
الثالث: عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي. الرابع: ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني. فبالأول يثبت الافتراض والتحريم، وبالثاني والثالث الايجاب وكراهة التحريم، وبالرابع تثبت السنية والاستحباب. قوله: (وفي الزيلعي إلخ) بيان للمراد من الاثم في. قوله: (ويأثم بارتكابه إلخ) وما في الزيلعي موافق لما في التلويح حيث قال: معنى القرب إلى الحرمة أنه يتعلق به محذور دون استحقاق العقوبة بالنار، وترك السنة المؤكدة قريب من الحرم يستحق حرمان الشفاعة اه.
ومقتضاه أن ترك السنة المؤكدة مكروه تحريما لجعله قريبا من الحرام، والمراد بها سنن الهدي كالجماعة والاذان والإقامة، فإن تاركها مضلل ملوم كما في التحرير، والمراد الترك على وجه الاصرار بلا عذر ولذا يقاتل المجمعون على تركها لأنها من أعلام الدين، فالاصرار على تركها استخفاف بالدين فيقاتلون على ذلك ذكره في المبسوط، ومن هنا قيل: لا يكون قتالهم عليها دليلا على وجوبها أو تمامه