حاشية رد المحتار - ابن عابدين - ج ٦ - الصفحة ٦٥٢
ليس حرام حقيقة عنده، بل هو شبيه به من جهة أصل العقوبة في النار وإن كان عذابه دون العذاب على الحرام القطعي، وهو خلاف ما اقتضاه ذكر الاختلاف بينه وبين الشيخين وتصحيح قولهما. نعم هو موافق لما حققه المحقق ابن الهمام في تحريك الأصول من أن قول محمد إنه حرام فيه نوع من التجوز للاشتراك في استحقاق العقاب، وقولهما على سبيل الحقيقة للقطع بأن محمدا لا يكفر جاحد الواجب والمكروه كما يكفر جاحد الفرض والحرام، فلا اختلاف بينه وبينهما في المعنى كما يظن اه‍.
وأفاده شارحه ابن أمير حاج بما ذكره محمد في المبسوط أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة: إذا قلت في شئ أكرهه فما رأيك فيه؟ قال: التحريم. ويأتي فيه أيضا ما في لفظ محمد للقطع أيضا بأن أبا حنيفة لا يكفر جاحد المكروه اه‍. وعلى هذا فالاختلاف في مجرد صحة الاطلاق، ويأتي تمام الكلام عليه قريبا. قوله: (فإلى الحل أقرب) بمعنى أنه لا يعاقب فاعله أصلا، لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، تلويح.
وظاهره أنه ليس من الحلال، ولا يلزم من عدم الحل الحرمة ولا كراهة التحريم، لان المكروه تنزيها كما في المنح مرجعه إلى ترك الأولى، والفاصل بين الكراهتين كما في القهستاني والمنح عن الجوهر: إن كان الأصل فيه الحرمة، فإن سقطت لعموم البلوى فتنزيه كسؤر الهرة، وإلا فتحريم كلحم الحمار، وإن كان حكم الأصل الإباحة وعرض ما أخرجه عنها، فإن غلب على الظن وجود المحرم فتحريم كسؤر البقرة الجلالة وإلا فتنزيه كسؤر سباع الطير. قوله: (مثله البدعة والشبهة) الذي يفيده كلام القهستاني أن البدعة مرادفة للمكروه عند محمد، والشبهة مرادفة للمكروه عندهما. قوله: (نسبته) أي من حيث الثبوت، وقوله فيثبت إلخ بيان لها لكن في اقتصار على ظني الثبوت قصور في العبارة.
بيان ذلك أن الأدلة السمعية أربعة: الأول: قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي. الثاني: قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة.
الثالث: عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي. الرابع: ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني. فبالأول يثبت الافتراض والتحريم، وبالثاني والثالث الايجاب وكراهة التحريم، وبالرابع تثبت السنية والاستحباب. قوله: (وفي الزيلعي إلخ) بيان للمراد من الاثم في. قوله: (ويأثم بارتكابه إلخ) وما في الزيلعي موافق لما في التلويح حيث قال: معنى القرب إلى الحرمة أنه يتعلق به محذور دون استحقاق العقوبة بالنار، وترك السنة المؤكدة قريب من الحرم يستحق حرمان الشفاعة اه‍.
ومقتضاه أن ترك السنة المؤكدة مكروه تحريما لجعله قريبا من الحرام، والمراد بها سنن الهدي كالجماعة والاذان والإقامة، فإن تاركها مضلل ملوم كما في التحرير، والمراد الترك على وجه الاصرار بلا عذر ولذا يقاتل المجمعون على تركها لأنها من أعلام الدين، فالاصرار على تركها استخفاف بالدين فيقاتلون على ذلك ذكره في المبسوط، ومن هنا قيل: لا يكون قتالهم عليها دليلا على وجوبها أو تمامه
(٦٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 647 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الشهادات 3
2 باب القبول وعدمه 15
3 باب الاختلاف في الشهادة 37
4 باب الشهادة على الشهادة 44
5 باب الرجوع عن الشهادة 50
6 كتاب الوكالة 56
7 باب الوكالة بالبيع والشراء 63
8 باب الوكالة بالخصومة والقبض 78
9 باب عزل الوكيل 86
10 كتاب الدعوى 92
11 باب التحالف 111
12 باب دعوى الرجلين 123
13 باب دعوى النسب 135
14 كتاب الاقرار 144
15 باب الاستثناء وما معناه 162
16 باب إقرار المريض 167
17 فصل في مسائل شتى 179
18 كتاب الصلح 188
19 كتاب المضاربة 208
20 باب المضارب يضارب 215
21 كتاب الايداع 227
22 كتاب العارية 243
23 كتاب الهبة 255
24 باب الرجوع في الهبة 268
25 كتاب الإجارة 283
26 باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها أي في الإجارة 309
27 باب الإجارة الفاسدة 328
28 باب ضمان الأجير 348
29 باب فسخ الإجارة 362
30 مسائل شتى 375
31 كتاب المكاتب 386
32 باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله 391
33 باب كتاب العبد المشترك 400
34 باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى 402
35 كتاب الولاء 410
36 كتاب الاكراه 420
37 كتاب الحجر 436
38 كتاب المأذون 450
39 كتاب الغصب 475
40 كتاب الغصب 475
41 كتاب الشفعة 518
42 باب طلب الشفعة 526
43 باب ما تثبت هي فيه أو لا تثبت 540
44 باب ما يبطلها 544
45 كتاب القسمة 559
46 كتاب المزارعة 582
47 كتاب الذبائح 604
48 كتاب الأضحية 624
49 كتاب الحظر والإباحة 651
50 باب الاستبراء وغيره 691
51 كتاب إحياء الموات 754