السفر فباعوا فراشه وعدته وجهزوه بثمنه وردوا البقية إلى الورثة أو غمي عليه فأنفقوا عليه من ماله لم يضمنوا استحسانا.
وحكى عن محمد أنه مات بعض تلامذته فباع محمد كتبه لتجهيزه، فقيل إنه لم يوص، فتلا قوله تعالى: * (والله يعلم المفسد من المصلح) * فما كان على قياس هذا لا يضمن ديانة، أما في الحكم فيضمن وكذا المأذون في التجارة لو مات مولاه فأنفق في الطريق لم يضمن، وكذا لو أنفق بعض أهل المحلة على مسجد لا متولي له من غلته لحصير ونحوه، أو أنفق الورثة الكبار على الصغار ولا وصي لهم، أو قضى الوصي دينا علمه على الميت بلا معرفة القاضي فلا ضمان في الكل ديانة اه. من الأشباه وحواشيها، وفي التاترخانية: وضع القدر على الكانون وتحتها الحطب فجاء آخر وأوقد النار فطبخ لا يضمن استحسانا. ومن هذا الجنس خمس مسائل: إحداها: هذه. الثانية: طحن حنطة غيره ضمن، ولو أن المالك عل الحنطة في الزورق وربط الحمار وجاء آخر فساقه لا يضمن. الثالثة: رفع جرة غيره فانكسرت ضمن، ولو رفعها صاحبها وأمالها إلى نفسه فجاء آخر وأعانه فانكسرت لا، الرابعة: حمل على دابة غيره فهلكت ضمن، ولو حملها المالك شيئا فسقط فحملها آخر فهلكت لا.
الخامسة: ذبح أضحية غيره في غير أيامها لا يجوز ويضمن، ولو في أيامها يجوز ولا يضمن. ومن جنسها أحضر فعله لهدم دار فجاء آخر وهدمها لا يضمن استحسانا، ذبح شاة القصاب إن بعد ما شد القصاب رجلها لا يضمن، وإلا ضمن. والأصل في جنس هذه المسائل كل عمل لا يتفاوت فيه الناس تثبت الاستعانة من كل أحد دلالة، وإلا فلا، فلو علقها بعد الذبح للسلخ فسلخها آخر بلا إذنه ضمن اه. ملخصا.
وفي القنية: أخذ أحد الشريكين حمار صاحبه الخاص وطحن به فمات لم يضمن للاذن دلالة.
قال: عرف بجوابه هذا أنه لا يضمن فيما يوجد الاذن دلالة وإن لم يوجد صريحا، كما لو فعل بحمار ولده أو بالعكس، أو أحد الزوجين: أو أرسل جارية زوجته فأبقت اه. قوله: (ضمنه) مخالف لما في المعراج والبزازية وغيرهما من أنه إن لم يسقه معها لا يضمنه، وقدمناه أول الغصب عن الزيلعي. لكن نقل عن الشرنبلالي عن قاضيخان: أنه ينبغي أن يضمنه أيضا لأنه لا يساق إلا بسوقها، كما قالوا: إذا غصب عجلا فيبس لبن أمه ضمنه مع نقصان الام اه.
أقول: إن كانت المسألة من تخريجات المشايخ فما اختاره قاضيخان وجيه، ولذا مشى عليه ابن وهبان، وإن كان منقولة عن المجتهد فاتباعه أوجه، فليراجع. قوله: (بما يتغير) الظاهر أن المراد به المضمون وهو الجحش هنا، فإنه لما هلك تغير عن حاله وقد ضمنه مع أنه لم يباشر فيه فعلا، تأمل.
قوله: (هل له منه شربه) الجواب: نعم إن حول النهر عن موضعه كره الشرب والتوضؤ منه لظهور أثر الغصب بالتحويل، وإلا لا لثبوت حق كل أحد فيهما. ابن الشحنة. قوله: (وهل ثم نهر طاهر لا مطهر) الجواب أنه القرس السريع فإنه يسمى نهرا وبحرا لقوله بعضهم في قوله تعالى: * (وهذه الأنهار تجري من تحتي) * (الزخرف: 51) أي الخيل، ولقوله (ص) في فرس أب طلحة:
إنا وجدناه لبحرا ابن الشحنة. والله تعالى أعلم.