يكون ضررا معنى ولو باع أحدهما نسمة للعتق يكره عند أبي حنيفة وعند محمد لا يكره (وجه) قوله إن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق فالظاهر من حالة المشترى انجاز ما وعد فيخرج التفريق من أن يكون ضررا لأنه يقابله نفع أعظم منه وهو العتق (وجه) قول أبي حنيفة عليه الرحمة ان العتق ليس بمشروط في البيع ولو كان مشروطا لأوجب فساد البيع فبقي قصد الاعتاق وتنفيذ هذا القصد ليس بلازم فبقي البيع تفريقا فيكره حتى لو كان قال المشترى ان اشتريته فهو حر ثم اشتراه قالوا لا يكره بالاجماع لأنه يعتق بعد الشراء لا محالة فيخرج البيع من أن يكون ضررا (فصل) وأما صفة البيع الذي يحصل به التفريق انه جائز أم لا فقد اختلف العلماء فيه فقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله البيع جائز مفيد للحكم بنفسه لكنه مكروه والبائع بالتفريق آثم وقال أبو يوسف رحمه الله البيع فاسد في الوالدين والمولودين وفى سائر ذوي الأرحام جائز وقال الشافعي رحمه الله البيع باطل في الكل واحتج بما روينا من الأحاديث الواردة للنهي عن التفريق أو ما يجرى مجرى النهى والبيع تفريق فكان منهيا والنهى لا يصلح سببا لثبوت الملك كسائر البياعات التي ورد النهى عنها على أصله فأبو يوسف إنما خص البيع في الوالدين والمولودين بالفساد لورود الشرع بتغليظ الوعيد بالتفريق فيهم وهو ما روينا ولهما ان قوله تعالى وأحل الله البيع ونحوه من نصوص البيع يقتضى شرعية البيع على العموم والاطلاق فمن ادعى التخصيص أو التقييد فعليه الدليل وأما الأحاديث فهي محمولة على النهى عن غير البيع وهو الاضرار فلا يخرج البيع عن أن يكون مشروعا كالنهي عن البيع وقت النداء وإنما حملناه على غير البيع اما حملا لخبر الواحد على موافقة الكتاب الكريم واما لان النهى لا يرد عما عرف حسنه عقلا على ما عرف (ومنها) البيع وقت النداء وهو أذان الجمعة لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع أمر بترك البيع عند النداء نهيا عن البيع لكن لغيره وهو ترك السعي فكان البيع في ذاته مشروعا جائزا لكنه يكره لأنه اتصل به غير مشروع وهو ترك السعي (ومنها) بيع الحاضر للباد وهو أن يكون لرجل طعام وعلف لا يبيعهما الا لأهل البادية بثمن غال لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ولو باع جاز البيع لان النهى لمعنى في غير البيع وهو الاضرار باهل المصر فلا يوجب فساد البيع كالبيع وقت النداء وهذا إذا كان ذلك يضر باهل البلد بأن كان أهله في قحط من الطعام والعلف فإن كانوا في خصب وسعة فلا بأس به لانعدام الضرر (ومنها) بيع متلقى السلع واختلف في تفسيره.
قال بعضهم هو ان يسمع واحد خبر قدوم قافلة بميرة عظمة فيتلقاهم الرجل ويشترى جميع ما معهم من الميرة ويدخل المصر فيبيع على ما يشاء من الثمن وهذا الشراء مكروه لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تتلقوا السلع حتى تسبط الأسواق وهذا إذا كان يضر بأهل البلد بأن كان أهله في جدب وقحط فإن كان لا يضرهم لا بأس وقال بعضهم تفسيره هو ان يتلقاهم فيشترى منهم بأرخص من سعر البلد وهم لا يعلمون سعر البلد وهذا أيضا مكروه سواء تضرر به أهل البلد أم لا لأنه غرهم والشراء جائز في الصورتين جميعا لان البيع مشروع في ذاته والنهى في غيره وهو الاضرار بالعامة على التفسير الأول وتغرير أصحاب السلع على التفسير الثاني (ومنها) بيع المستام على سوم أخيه وهو أن يساوم الرجلان فطلب البائع بسلعته ثمنا ورضى المشترى بذلك الثمن فجاء مشتر آخر ودخل على سوم الأول فاشتراه بزيادة أو بذلك الثمن لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه وروى لا يسوم الرجل على سوم أخيه والنهى لمعنى في غير البيع وهو الايذاء فكان نفس البيع مشروعا فيجوز شراؤه ولكنه يكره وهذا إذا جنح البائع للبيع بالثمن الذي طلبه المشترى الأول فإن كان لم يجنح له فلا بأس للثاني أن يشتريه لان هذا ليس استياما على سوم أخيه فلا يدخل تحت النهى ولانعدام معنى الايذاء أيضا بل هو بيع من يزيد وانه ليس بمكروه لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا له بيع من يزيد وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيع بيعا مكروها وكذا في النكاح إذا خطب رجل امرأة وركن قلبها