إليه يكره لغيره أن يخطبها لما روينا وان لم يركن فلا بأس به (ومنها) بيع السلاح من أهل الفتنة وفى عساكرهم لان بيعه منهم من باب الإعانة على الاثم والعدوان وانه منهى ولا يكره بيع ما يتخذ منه السلاح منهم كالحديد وغيره لأنه ليس معدا للقتال فلا يتحقق معنى الإعانة ونظيره بيع الخشب الذي يصلح لاتخاذ المزمار فإنه لا يكره وان كره بيع المزامير (وأما) ما يكره مما يتصل بالبيوع (فمنها) الاحتكار وقد ذكرنا جملة الكلام فيه في باب الكراهية والحاقه بهذا الموضع أولى (ومنها) النجش وهو ان يمدح السعلة ويطلبها بثمن ثم لا يشتريه بنفسه ولكن ليسمع غيره فيزيد في ثمنه وانه مكروه لما روى عن رسول الله عليه وسلم انه نهى عن النجش ولأنه احتيال للاضرار بأخيه المسلم وهذا إذا كان المشترى يطلب السلعة من صاحبها بمثل ثمنها فاما إذا كان يطلبها بأقل من ثمنها فنجش رجل سلعة حتى تبلغ إلى ثمنها فهذا ليس بمكروه وإن كان الناجش لا يريد شراءها والله عز وجل أعلم (فصل) وأما حكم البيع فلا يمكن الوقوف عليه الا بعد الوقوف على تسمية البياعات في حق الحكم فنقول وبالله التوفيق البيع في حق الحكم لا يخلو اما أن يكون صحيحا واما أن يكون فاسدا واما أن يكون باطلا واما أن يكون موقوفا والصحيح لا يخلو اما أن يكون فيه خيار أو لا خيار فيه اما البيع الصحيح الذي لا خيار فيه فله أحكام لكن بعضها أصل وبعضها من التوابع (اما) الحكم الأصلي فالكلام فيه في موضعين في بيان أصل الحكم وفي بيان صفته (اما) الأول فهو ثبوت الملك للمشترى في المبيع وللبائع في الثمن للحال فلا بد من معرفة المبيع والثمن لمعرفة حكم البيع والأحكام المتعلقة بهما فيقع الكلام في موضعين أحدهما في تفسير المبيع والثمن والثاني في بيان الأحكام المتعلقة بهما (اما) اما الأول فنقول ولا قوة الا بالله المبيع والثمن على أصل أصحابنا من الأسماء المتباينة الواقعة على معان مختلفة فالمبيع في الأصل اسم لما يتعين بالتعيين والثمن في الأصل ما لا يتعين بالتعيين وان احتمل تغير هذا الأصل بعارض بأن يكون ما لا يحتمل التعيين مبيعا كالمسلم فيه وما يحتمله ثمنا كرأس مال السلم إذا كان عينا على ما نذكره إن شاء الله تعالى (وأما) على أصل زفر رحمه الله وهو قول الشافعي رحمه الله فالمبيع والثمن من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد وإنما يتميز أحدهما عن الآخر في الأحكام بحرف الباء وإذا عرف هذا فالدراهم والدنانير على أصل أصحابنا أثمان لا تتعين في عقود المعاوضات في حق الاستحقاق وان عينت حتى لو قال بعت منك هذا الثوب بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير كان للمشترى أن يمسك المشار إليه ويرد مثله ولكنها تتعين في حق ضمان الجنس والنوع والصفة والقدر حتى يجب عليه رد مثل المشار إليه جنسا ونوعا وقدرا وصفة ولو هلك المشار إليه لا يبطل العقد وعلى أصلهما يتعين حتى يستحق البائع على المشترى الدراهم المشار إليها كما في سائر الأعيان المشار إليها ولو هلك قبل القبض يبطل العقد كما لو هلك سائر الأعيان (وجه) قولهما ان المبيع والثمن يستعملان استعمالا واحدا قال الله تعالى ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا سمى سبحانه وتعالى المشترى وهو المبيع ثمنا دل على أن الثمن مبيع والمبيع ثمن ولهذا جاز أن يذكر الشراء بمعنى البيع يقال شريت الشئ بمعنى بعته قال الله تعالى وشروه بثمن بخس دراهم أي وباعوه ولان ثمن الشئ قيمته وقيمة الشئ ما يقوم مقامه ولهذا سمى قيمة لقيامه مقام غيره والثمن والمثمن كل واحد منهما يقوم مقام صاحبه فكان كل واحد منهما ثمنا ومبيعا دل انه لا فرق بين الثمن والمبيع في اللغة والمبيع يحتمل التعين بالتعيين فكذا الثمن إذ هو مبيع على ما بينا (ولنا) ان الثمن في اللغة اسم لما في الذمة هكذا نقل عن الفراء وهو امام في اللغة ولان أحدهما يسمى ثمنا والآخر مبيعا في عرف اللغة والشرع واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل الا انه يستعمل أحدهما مكان صاحبه توسعا لان كل واحد منهما يقابل صاحبه فيطلق اسم أحدهما على الآخر لوجود معنى المقابلة كما يسمى جزاء السيئة سيئة وجزاء الاعتداء اعتداء (فاما) الحقيقة فما ذكرنا وإذا كان الثمن اسما لما في الذمة لم يكن محتملا للتعيين بالإشارة فلم يصح التعيين حقيقة في حق استحقاق العين فجعل كناية عن بيان الجنس المشار إليه ونوعه وصفته وقدره تصحيحا لتصرف العاقل بقدر الامكان ولان التعيين غير مفيد لان كل عوض يطلب من المعين في المعاوضات يمكن استيفاؤه من
(٢٣٣)