مشايخنا من كان يفتى بوجوب الشفعة في هذه الصورة ويخطئ الخصاف لان الشركة في السهم المقر به لم تثبت الا باقراره فلا يظهر في حق الشفيع على ما بينا فيما تقدم والله عز وجل أعلم.
(فصل) وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط وعدمها فالحيلة اما إن كانت بعد وجوب الشفعة واما إن كانت قبل الوجوب فإن كانت بعد الوجوب قيل إنها مكروهة بلا خلاف وذلك بأن يقول المشترى للشفيع صالحتك على كذا كذا درهما على أن تسلم لي شفعتك فيقبل فتبطل شفعته ولا يستحق بدل الصلح أو يقول له اشتر الدار منى بكذا فيقول اشتريت فتبطل شفعته ونحو ذلك وإن كانت قبل الوجوب فقد اختلف فيه قال أبو يوسف رحمه الله لا تكره وقال محمد رحمه الله تكره (وجه) قول محمد ان شرع الحيلة يؤدى إلى سد باب الشفعة وفيه ابطال هذا الحق أصلا ورأسا (وجه) قول أبى يوسف ان الحيلة قبل الوجوب منع من الوجوب بمباشرة سبب الامتناع شرعا وهذا جائز كالشراء والهبة وسائر التمليكات فان المشترى يمنع حدوث الملك للبائع في المبيع بمباشرة سبب الامتناع شرعا وهو الشراء وكذا الهبة والصدقة وسائر التمليكات وقد خرج الجواب عن قول محمد رحمه الله ان هذا ابطال لحق الشفعة لان ابطال الشئ بعد ثبوته ضرر والحق ههنا لم يثبت بعد ذلك فلا تكون الحيلة ابطالا له بل هو منع من الثبوت بمباشرة سبب الامتناع شرعا وانه جائز فما ذكره أبو يوسف رحمه الله هو الحكم المر وما ذكره محمد رحمه الله احتياطا والأصل في شرع الحيلة قول سبحانه وتعالى في قصة سيدنا أيوب عليه الصلاة والسلام وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث والله سبحانه وتعالى اعلم.
(كتاب الذبائح والصيود) يحتاج في هذا الكتاب إلى بيان المأكول وغير المأكول من الحيوانات والى بيان المكروه منها والى بيان شرائط حل الاكل في المأكول والى بيان ما يحرم أكله من أجزاء الحيوان المأكول أما الأول فالحيوان في الأصل نوعان نوع يعيش في البحر ونوع يعيش في البر أما الذي يعيش في البحر فجميع ما في البحر من الحيوان محرم الاكل الا السمك خاصة فإنه يحل أكله الا ما طفا منه وهذا قول أصحابنا رضى الله تعالى عنهم وقال بعض الفقهاء وابن أبي ليلى رحمهم الله انه يحل أكل ما سوى السمك من الضفدع والسرطان وحية الماء وكلبه وخنزيره ونحو ذلك لكن بالذكاة وهو قول الليث بن سعد رحمه الله الا في إنسان الماء وخنزيره انه لا يحل وقال الشافعي رحمه الله يحل جميع ذلك من غير ذكاة واخذه ذكاته ويحل أكل السمك الطافي أما الكلام في المسألة الأولى فهم احتجوا بظاهر قوله تبارك وتعالى أحل لكم صيد البحر واسم الصيد يقع على ما سوى السمك من حيوان البحر فيقتضى أن يكون الكل حلالا وبقول النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن البحر فقال هو الطهور ماؤه والحل ميتته وصف ميتة البحر بالحل من غير فصل بين السمك وغيره ولنا قوله تبارك وتعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزيز من غير فصل بين البري والبحري وقوله عز شأنه ويحرم عليهم الخبائث والضفدع والسرطان والحية ونحوها من الخبائث وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضفدع يجعل شحمه في الدواء فنهى عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفادع وذلك نهى عن أكله وروى أنه لما سئل عنه فقال عليه الصلاة والسلام خبيثة من الخبائث ولا حجة لهم في الآية لان المراد من الصيد المذكور هو فعل الصيد وهو الاصطياد لأنه هو الصيد حقيقة لا المصيد لأنه مفعول فعل الصيد واطلاق اسم الفعل يكون مجازا ولا يجوز العدول عن حقيقة اللفظ من غير دليل ولان الصيد اسم لما يتوحش ويمتنع ولا يمكن أخذه الا بحيلة اما لطيرانه أو لعدوه وهذا إنما يكون حالة الاصطياد لا بعد الاخذ لأنه صار لحما بعده ولم يبق صيدا حقيقة لانعدام معنى الصيد وهو التوحش والامتناع والدليل عليه انه عطف عليه قوله عز شأنه وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما والمراد منه الاصطياد من المحرم لا أكل الصيد لان ذلك مباح للمحرم إذا لم يصطده بنفسه ولا غيره بأمره فثبت انه لا دليل في الآية