بقاء العقد على الصحة حق لو افترقا من غير تقابض أصلا يبطل العقد لحصول الافتراق عن دين بدين ولو لم يوجد القبض الا من أحد الجانبين دون الآخر فافترقا مضى العقد على الصحة لان المقبوض صار عينا بالقبض فكان افتراقا عن عين بدين وانه جائز إذا لم يتضمن ربا النساء ولم يتضمن ههنا لانعدام القدر المتفق والجنس وكذا إذا تبايعا فلسا بعينه بفلس بعينه فالفلسان لا يتعينان وان عينا الا أن القبض في المجلس شرط حتى يبطل بترك التقابض في المجلس لكونه افتراقا عن دين بدين ولو قبض أحد البدلين في المجلس فافترقا قبل قبض الآخر ذكر الكرخي أنه لا يبطل العقد لان اشتراط القبض من الجانبين من خصائص الصرف وهذا ليس بصرف فيكتفى فيه بالقبض من أحد الجانبين لان به يخرج عن كونه افتراقا عن دين بدين وذكر في بعض شروح مختصر الطحاوي رحمه الله أنه يبطل لا لكونه صرفا بل لتمكن ربا النساء فيه لوجود أحد وصفى علة ربا الفضل وهو الجنس وهو الصحيح ولو تبايعا فلوسا بدراهم على أن كل واحد منهما بالخيار وتقابضا وافترقا بطل البيع لان الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم فيمنع صحة التقابض فيحصل الافتراق لا عن قبض أصلا فيبطل البيع ولو كان الخيار لأحدهما فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما يجوز بناء على أن شرط الخيار يعمل في الجانبين جميعا عنده وينعدم القبض من الجانبين وعندهما لا يعمل الا من جانب واحد فينعدم القبض من أحد الجانبين وهذا لا يمنع جواز العقد والأصل المحفوظ أن العقد في حق القبض على مراتب منها ما يشترط فيه التقابض وهو القبض من الجانبين وهو الصرف ومنها ما لا يشترط فيه القبض أصلا كبيع العين بالعين مما سوى الذهب والفضة وبيع العين بالدين مما لا يتضمن ربا النساء كبيع الحنطة بالدراهم ونحوها ومنها ما يشترط فيه القبض من أحد الجانبين كبيع الدراهم بالفلوس وبيع العين بالدين مما يتضمن ربا النساء كبيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون إذا كان الدين منهما ثمنا وبيع الدين بالعين وهو السلم ولو تبايعا فلسا بعينه بفلسين بأعيانهما جاز عند أبي حنيفة وأبى يوسف ويتعين كل واحد منهما حتى لو هلك أحدهما قبل القبض بطل العقد وكذا إذا رد بالعيب أو استحق ولو أراد أحدهما أن يدفع مثله ليس له ذلك وعند محمد لا يتعين ولا يجوز البيع وقد ذكرنا المسألة مع دلائلها فيما تقدم ولو تبايعا فلسا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما أو عين أحدهما ولم يعين الاخر لا يجوز في الرواية المشهورة عنهم وعن أبي يوسف أنه يجوز والصحيح جواب ظاهر الرواية لان الفلس في هذه الحالة لا يخلو من أن يكون من العروض أو من الأثمان فإن كان من العروض فالتعيين في العروض شرط الجواز ولم يوجد وإن كان من الأثمان فالمساواة فيما شرط الجواز ولم يوجد ولان تجويز هذا البيع يؤدى إلى ربح ما لم يضمن لان مشترى الفلسين يقبضهما وينقد أحدهما ويبقى الآخر عن غير ضمان فيكون ربح ما لم يضمن وانه منهى ولو تبايعا فلسا بفلسين وشرطا الخيار ينبغي أن يجوز على قولهما لان الفلوس في هذه الحالة كالعروض وعندهما لا يشترط فيها فلم يكن الخيار مانعا والله عز وجل أعلم ولو اشترى شيئا بفلوس كاسدة في موضع لا تنفق فإن كانت بأعيانها جاز وان لم تكن معينة لم يجز لأنها في ذلك الموضع عروض والتعيين شرط الجواز في بيع العروض ومنها أن للبائع حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن إذا كان الثمن حالا وليس للمشترى أن يمتنع من تسليم الثمن إلى البائع حتى يقبض المبيع إذا كان المبيع حاضرا لان البيع عقد معاوضة والمساواة في المعاوضات مطلوبة المتعاوضين عادة وحق المشترى في المبيع قد تعين بالتعيين في العقد وحق البائع في الثمن لم يتعين بالعقد لان الثمن في الذمة فلا يتعين بالتعيين الا بالقبض فيسلم الثمن أولا ليتعين فتتحقق المساواة وإن كان المبيع غائبا عن حضرتهما فللمشتري أن يتمنع عن التسليم حتى يحضر المبيع لان تقديم تسليم الثمن لتتحقق المساواة وإذا كان المبيع غائبا لا تتحقق المساواة بالتقديم بل يتقدم حق البائع ويتأخر حق المشترى حيث يكون الثمن بالقبض عينا مشارا إليه والمبيع لا ولان من الجائز أن المبيع قد هلك وسقط الثمن عن المشترى فلا يؤمر بالتسليم الا بعد احضار المبيع سواء كان المبيع في ذلك المصر أو في موضع آخر بحيث تلحقه المؤنة بالاحضار فرق بين هذا وبين الرهن فان الراهن إذا
(٢٣٧)